نحو القومية والوطنية قد اشتدّ في العالم الغربي ، وأنّ الكثير من المفكّرين الغربيّين قد دعوا إلى هذا النهج وجنحوا نحو هذا التفكير الاجتماعي والسياسي ودافعوا عن ذلك بقوة وتحت واجهات مختلفة ، إلّا أنّه لم تمرّ فترة طويلة إلّا ووجدناهم قد دعوا إلى نظرية أُخرى مخالفة لسابقتها حيث مالوا للنظرية الأُممية والدعوة نحو تشكيل حكومة عالمية واحدة ، وأدركوا بحسّهم الخاص أنّ هذه الحدود المصطنعة بين الدول والشعوب لا بدّ أن تزول ، لأنّها هي السبب الأساسي وراء اندلاع الحروب والمعارك بين الشعوب وإراقة الدماء البشرية ، وأنّه لا منجي من تلك الورطة والبأساء إلّا بالقضاء على تلك الحدود المصطنعة وإزالتها من الوجود ، ووضع الناس كافة تحت راية وحكومة واحدة.
ولقد تمخّض عن الحرب العالمية الأُولى ـ التي فتكت بالعالم بأسره ـ نشوء «عصبة الأُمم» والتي شكلت من ٢٦ عضواً ليتسنّى لهم من خلال ذلك التشكيل أن يقفوا أمام الحروب والحدّ من النزف الدموي وحلّ المشاكل العالمية من خلال الحوار والأسلوب الدبلوماسي ، ولكن لم يوفّق ذلك التشكيل من تحقيق الأهداف التي أُسس من أجلها ، وذلك لأنّه ومن الأساس تأسّس بصورة ناقصة وفيها الكثير من الثغرات ونقاط الخلل ، ولذلك نجده لم يتمكن من الحيلولة دون نشوب الحرب العالمية الثانية.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية فكّر ساسة العالم ومفكّروه في تأسيس كيان أكثر فاعلية من سابقه يتحلّى بالواقعية والمتانة ، ولذلك تمّ تأسيس «هيئة الأُمم المتحدة والاتّحادات الدولية» ، وقد جاء في ميثاق الأُمم المتحدة الهدف من تأسيسها ، ويتوقع المفكّرون السياسيون وكبار ساسة العالم أنّه من الممكن أن تتحول هيئة الأُمم المتحدة ـ التي هي في الواقع بمثابة برلمان عالمي ـ إلى مركز حكومة عالمية واحدة تعلن خلالها وحدة البشرية والمساواة بين الجميع.