فإنّ المراد من هذا النوع من الهجرة هو نقاء الروح والنفس وتصفيتها من كلّ أنواع القذارات والرذائل مهما كانت. وذلك بواسطة التوبة والتوجّه إلى الله والالتزام بمقررات الشريعة ، ومن الجدير بالذكر أنّ الاهتمام بهذا النوع من الهجرة وقبولها لا يعني بحال من الأحوال نفي الهجرة بالمعنى المعروف والتي يترك فيها المؤمنون أوطانهم وديارهم وأهلهم و ... من أجل الله سبحانه وتعالى ، إذ قد يتصوّر البعض إذا كان الهدف من الهجرة الجسمانية هو العروج إلى الله والوصول إليه ، فبالإمكان تحقيق ذلك من خلال سلوك طريق العبادة والتفكّر والتدبّر في ذات الله وعظمته و ... ، ولكن هذا التصوّر غير صحيح ، إذ المفروض أنّ الإنسان لم يتمكّن من حفظ إيمانه ودينه ومعتقداته بصورة كاملة تحت ظروف قاهرة وأجواء ضاغطة ، ولكنّه يستطيع أن يهاجر ويترك بلاد الكفر والشرك ليضع رحله في بلاد يحكمها الإسلام ويسمح له بإقامة شعائره الدينية بحرية واختيار ، فلا شكّ انّه وفي مثل هذه الحالة لا يكفي السلوك المعنوي والتفكير والتدبّر في تحقيق الهدف النهائي للإنسان المؤمن.
ولقد ذكر الطريحي في «مجمع البحرين» في مادة «هجر» مجموعة من العبارات يظهر أنّه انتقاها من الأحاديث الشريفة حيث قال :
«والمهاجر من هاجر ما حرم الله عليه ، والمهاجر من ترك الباطل إلى الحقّ. وفي الحديث : من دخل الإسلام طوعاً فهو مهاجر». (١)
__________________
(١). منشور جاويد : ٣ / ٣٢ ، ٥٧ ، ٥٩.