إلى هنا اتّضح وبصورة إجمالية دور الأمل والرجاء في حياة الإنسان ، وهذه المسألة بدرجة من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى أكثر من ذلك ، ولكن المهم هو التذكير بأنّ الوعد بقبول التوبة وتحت شروط خاصة ، يُعدّ فرعاً من فروع بعث الأمل في نفس الإنسان المذنب والعاصي ، والمتمرّد على القوانين الإلهية ، بأن يعيد النظر في مواقفه وما ارتكبه من الذنوب والمعاصي وأن يصحّح مسيرته ويطهر سريرته وذاته ويتحوّل إلى إنسان مستقيم الطريقة مرضي الخصال وليس التوبة ـ كما تصوّرها المستشكل ـ محفزاً وباعثاً على الذنوب والتمرّد على القوانين والأحكام الإلهية ، وتوضيح ذلك :
لا ريب أنّ الإنسان غير المعصوم ، وخلال مسيرة حياته الطويلة وتحت ضغط طغيان وجموح الغرائز والميول النفسانية ، يرتكب سلسلة من المعاصي ويقع في الكثير من المخالفات ، ممّا يؤدّي إلى أن تسوّد صحيفة أعماله بالكثير من الذنوب والموبقات.
فلو فرضنا انّ هذا الإنسان الذي وصل إلى هذا الطريق المنحرف ، قد وجد نفسه أمام طريق مسدود وانّ الجسور بينه وبين ربّه قد قطعت جميعاً ، وانّ باب التوبة والإنابة قد أُوصد في وجهه ، ولم تترك له فرصة العودة إلى الطريق القويم ، ما ذا تراه سيفكّر حينئذٍ؟ ممّا لا ريب فيه أنّه وتحت حالة اليأس هذه يفكر بأنّه لم يبق أمامه إلّا طريق واحد ، وهو استغلال ما بقي من عمره في الملذّات والاستجابة للغرائز والميول ما دام يشعر بأنّه معذّب على كلّ حال ، فلما ذا لم يتنعّم في الدنيا على أقلّ تقدير؟ ولا ريب أيضاً أنّه لا يفكّر ولو لحظة واحدة في إصلاح نفسه ، لأنّه يعلم أنّ طريق الإصلاح قد سدّ في وجهه ، فعليه مواصلة طريق الموبقات.