إنسان مستقيم الطريقة ، فإنّه ستشمله قوانين تخفيف العقوبة أو يطلق سراحه ، فلو علم السجناء بهذه الفقرة القانونية التي تحيي في نفوسهم الأمل في العودة إلى الحياة الحرة والتخلّص من قيود السجن وقضبانه ، فلا ريب أنّهم يحاولون الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية ؛ وأمّا إذا لم توجد مثل هذه القوانين ولم يكن لتوبة السجين وندمه أيّ أثر في تغيير مصيره ، فمن الواضح أنّه لا يسعى إلى تغيير حياته في السجن ، بل كثيراً ما يكون عامل إزعاج للمشرفين على السجن ويتحوّل إلى إنسان مشاكس أكثر ممّا هو عليه في السابق.
ويظهر من بعض الآيات المباركة أنّه كما أنّ التهديد بالعذاب والعقاب يمثّل أحد مرتكزات وأُسس إقامة الحجّة على العباد ، كذلك الأمل والرجاء أيضاً يكون أساساً ومرتكزاً آخر لإقامة الحجة عليهم ، ومن تلك الآيات قوله سبحانه :
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ...). (١)
ثمّ إنّ التوهّم السابق ـ الذي يرى أنّ التوبة تعدّ بمنزلة الضوء الأخضر أمام الإنسان لارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي ـ إنّما يصحّ ويصبغ نفسه بلون الدليل فيما إذا اعتقدنا أنّ التوبة تقبل على كلّ حال وفي جميع الشروط. ولكنّ الإمعان في المسألة يظهر لنا أنّ للتوبة شروطاً خاصة كثيراً ما تكون غير متوفّرة لدى الإنسان المذنب والعاصي ، فإذا لم يطّلع الإنسان على تلك الشروط ويدرك جيداً أثرها فلا يمكنه أبداً التوبة والخضوع للقانون ، بل قد يكون بعضها غير قابل للتوفّر في المستقبل.
ومن الشروط التكوينية للتوبة شرط بقاء الإنسان على قيد الحياة ، ولا ريب
__________________
(١). النساء : ١٦٥.