خلق وهو يحمل مجموعة من الغرائز والميول القاهرة التي قد تتغلّب على قدرة العقل وسلطانه وتجرّه إلى الهاوية ، وهذه ظاهرة لا يمكن اجتنابها أو إنكارها في حياة الإنسان ، وحينئذٍ لا يكون تشريع التوبة عاملاً مساعداً في وقوع الذنب أو كثرته وانتشاره في المجتمع ، بل تعدّ التوبة نافذة أمل وبريق ضوء لتخليص الإنسان من أسر الشهوات وتخليصه من الشقاء والتعاسة.
إلى هنا اتّضح لنا ومن خلال ما ذكرنا ـ أحد الأسرار المهمة لتشريع التوبة ، ومن المناسب جداً الإشارة إلى بعض الروايات التي أشارت بنحو ما إلى هذه الحكمة لتشريع التوبة:
١. عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له» ... قلت : فإن فعل ذلك مراراً ، يذنب ثمّ يتوب ويستغفر؟ فقال عليهالسلام :
«كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة ، وإنّ الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيّئات ، فَإيّاكَ أَنْ تُقَنِّط المْؤْمِنينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ». (١)
٢. وقال أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض كلماته القصار :
«الْفَقيهُ كُلُّ الْفَقيه مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، وَلَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللهِ ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللهِ». (٢)
ففي هذا الحديث أشار إلى عاملين من عوامل التربية ، أعني : «الخشية والرجاء» ، فإنّ الاكتفاء بصفة الأمل والرجاء فقط هي من صفات اليهود أو من
__________________
(١). بحار الأنوار : ٦ / ٢٠ ، باب ٢٠ ، الحديث ٧١.
(٢). نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، برقم ٩٠.