وحال هؤلاء كحال من يسأل عن الطريق فيرشد إليه ويقال له : اسلك هذا الطريق ، فإذا وصلت إلى المكان الفلاني فإنّك ستجد هناك علامة كذا ، حينها تكون قد وصلت إلى مرادك ومقصودك.
فلا ريب انّ هذا الفرد إنّما يستفيد من هذا الإرشاد في حالة واحدة وهي فيما إذا سلك ذلك الطريق ووصل إلى العلامة التي أُشير إليها ، وهذا يعني أنّ الوصول إلى المقصد الثاني والاستفادة من العلامة التي هي دليله لا تتمّ إلّا بعد الاستفادة من الدليل الأوّل ، وهو طي ذلك الطريق الذي وصف له. وأمّا إذا لم يستفد من الدليل الأوّل ولم يسلك ذلك الطريق ، أو أنّه سار على عكس الطريق الذي رسم ووصف له ، فلا ريب أنّه لا يمكن له أن يستفيد من الدليل الثاني (العلامة) ثمّ الوصول إلى مراده.
إذاً ومن خلال هذا المثال الحسّي يتّضح لنا جلياً مفاد قوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، فإنّ الآية تشير وبلا ريب إلى الهداية الخاصة ، وانّ المراد من الهداية هو توفير مقدّمات السعادة والهداية الخاصة ، والمراد من الضلالة قطع تلك العناية الإلهية ، ولا علاقة للآية أبداً بمسألة الجبر لا من بعيد ولا من قريب.
إذا اتّضح هذا الجانب من البحث ، لا بدّ من الإشارة إلى عامل آخر من عوامل الضلالة الذي يتعلّق بانحراف وضلال الإنسان فقط وهو :
العامل الثاني من عوامل الضلال
إنّ القرآن الكريم يذكر ـ وفي مناسبات مختلفة ـ مجموعة من العوامل التي لا تكون نتيجتها إلّا الانحراف والضلال وإخراج الإنسان عن الصراط المستقيم