ويدلّ على صحّة ما ذكره المفيد هو أنّه سبحانه سمّى بعض الفرائض بالعقبات ، فقد سمّى فك الرقبة أو الإطعام في يوم المسغبة عقبة ، فقال سبحانه :
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ). (١)
والّذي يلاحظ المنهج القرآني يرى أنّه يعتمد كثيراً على أُسلوب التمثيل والتشبيه لبيان وتفهيم المعارف العميقة والتعاليم العالية ، ومن خلال هذا المنهج يسهل على الأذهان المتوسطة إدراك وفهم تلك المفاهيم العميقة والمفاهيم العالية.
وإنّ بحث ودراسة هذه الآيات التمثيلية خارج عن مجال بحثنا هنا ، وهو بحاجة إلى بحث مستقل.
وإنّ الآية المذكورة هي إحدى الآيات التمثيلية التي وردت في القرآن الكريم ، حيث تشبّه لنا الحقائق غير المحسوسة بالأُمور المحسوسة ، إذ انّ الجميع على علم بالجبال وقممها والسلاسل صعبة العبور ويدركون شدّة الصعاب التي تواجه الإنسان في محاولة العبور منها واجتيازها للوصول إلى الأهداف والمقاصد الدنيوية ، ومن هذا المنطلق يؤكّد القرآن الكريم على حقيقة أنّ نيل المقاصد الأُخروية السامية مقرون باجتياز مجموعة من العقبات وتحمّل المشاكل والمحن ، وانّ الوصول إلى الهدف متوقّف على الالتزام بالقوانين والأحكام الإلهية ، وبما أنّ رعاية الأحكام الإلهية في الحقيقة تتصادم وتتضاد مع الميول والشهوات النفسية ، ولذلك يكون العبور منها يشبه إلى حدّ كبير العبور واجتياز العقبات الطبيعية من الجبال والأنهار و ... ، ولذلك فالإنسان الذي يوفّق في الحياة الدنيا لعبور العقبات من خلال الالتزام بالقوانين الإلهية والأحكام والدساتير الشرعية بصورة كاملة ،
__________________
(١). البلد : ١١ ـ ١٦.