اتّضح جلياً من هذه الآيات أنّهم كانوا ولأسباب معينة يعتبرون «الروح الأمين» عدوّاً لهم ، إلّا أنّ القرآن الكريم يعتبره معصوماً من الزلل والخطأ ويصفه بأنّه رسول الله ، كما أنّ القرآن يردُّ على اتّهام اليهود لجبرئيل عليهالسلام بالخيانة بوصفه عليهالسلام بالأمين ، فيقول سبحانه:
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ). (١)
وبالالتفات إلى هذه المقدّمات وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار انّ اليهود الذين أثاروا التساؤل ، وانّ عقيدتهم بجبرئيل كانت عقيدة خاصة ، وانّ موقفهم منه سلبي ، وانّه عندهم ملك العذاب الذي أخبر عن زوال مملكة بني إسرائيل على يد نبوخذنصر ، وهو الذي خان في مسألة النبوة حيث نقلها من نسل بني إسرائيل إلى نسل آخر. نعم بالالتفات إلى كلّ هذه القرائن والمطالب يمكن القول انّ مرادهم من السؤال هو «الروح الأمين» حيث كانوا يسعون إلى معرفة رأي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه لعله يكون موافقاً لرأيهم فيتّخذون ذلك وسيلة للاستفادة منه. وأمّا إذا كان رأي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مخالفاً لرأيهم فانّهم في هذه الصورة يخالفونه ، ولذلك نجدهم يطلبون من قريش أن يوجّهوا نفس التساؤل إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن «الروح».
وعلى هذا الأساس من المستبعد أن يكون المراد من الروح هي «الروح» التي هي بداية الحياة ، إضافة إلى أنّ هذا التفسير لم يرو إلّا في رواية واحدة ، وأبعد من ذلك أن يقال: انّ المقصود من السؤال هو معرفة قدم أو حدوث الروح ، أي هل الروح قديمة أو حادثة؟ وذلك لأنّ هذا المفهوم من المفاهيم التي كانت بعيدة عن الذهن العربي أو اليهودي في ذلك ولم يكن ذلك هو مرادهم قطعاً.
إلى هنا اتّضح جلياً انّ المراد من «الروح» في متن السؤال هو «الروح الأمين
__________________
(١). الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤.