إليه الشيطان ، فقال : ما صنعت شيئاً ، أخذت دية أخيك فيكون سُبّة عليك : اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدية فضل ، فرماه بصخرة فقتله ، وركب بعيراً ورجع إلى مكة كافراً ، وأنشد يقول :
قتلت به فهراً وحمّلتُ عقله |
|
سراة بني النجار أرباب فارعٍ |
فأدركتُ ثأري واضطجعت موسداً |
|
وكنت إلى الأوثان أوّل راجعٍ |
فقال النبي : «لا أُؤمنه في حلّ ولا حرم» ، فقُتِل يوم الفتح. (١)
ولكنّ المخالفين لهذه النظرية ردّوا على هذا الاستدلال بوجوه :
أ. انّ قوله : (مُتَعَمِّداً) دليل على أنّ المحكوم بالخلود من قتل المؤمن لأجل إيمانه ، فعندئذٍ تختص الآية بالكافر ولا يعمّ المسلم الذي يقتل أخاه لأجل هواه.
ب. الخلود كناية عن الإقامة الممتدة التي إذا طالت يعبر عنها بالخلود.
ج. الخلود وإن كان ظاهراً في التأبيد ، ولكنّه ليس أمراً قطعياً لاحتمال خروجه من النار بالعفو والشفاعة ، وقد مرّ قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ). (٢)
حصيلة البحث : انّ ما استدلّ به من الآيات مرجعها إلى أحد العناوين الأربعة التي لا شكّ في أنّ أصحابها من الخالدين في النار ، وقد عرفت القرائن التي تؤكد هذا.
وأقصى ما يمكن أن يقال : إنّ خصوص قاتل المؤمن مخلّد في النار لا كلّ الفسّاق ومرتكبي الكبائر ، وبذلك يتّضح أنّ مضامين الآيات لا تنافي ما روي عن الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : «لا يخلّد الله في النار إلّا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك ، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن
__________________
(١). مجمع البيان : ٣ ـ ٤ / ١٤١.
(٢). النساء : ٤٨.