وأمّا إذا ذهبنا إلى أنّ الجزاء ليس أمراً اعتبارياً جعلياً وإنّما هو أمر تكويني ملازم لوجود الجرم بمعنى انّه توجد رابطة تكوينية بين الجرم وجزائه ، وانّ الجزاء تجسيم للذنب المقترف أو الجرم المرتكب ، فحينئذٍ تنتفي الموازنة المذكورة ، إذ يمكن أن يورث العمل في نفس المجرم هيئة لا تفارقه أبداً ، فتكون الظلمة الناشئة من الشرك بالله والتمرّد على أوامره حالة ثابتة تلازم الإنسان دائماً وتنسجم بصورة عينية في العالم الأُخروي ، وحينئذٍ تتّصف بصفة الديمومة والخلود والعذاب الدائم.
٢. انّنا لا نسلّم انّ العلاقة بين الخطأ والجزاء علاقة جعلية وعقدية وقابلة للزيادة والنقصان ، بل أنّنا نرى وفي الحياة الدنيا قد تكون نتيجة الخطأ لا تنسجم ولا تتوازن مع الخطأ المرتكب ، فنجد انّ الخطأ يقع في لحظة واحدة ولكن عقابه دائم ، فعلى سبيل المثال لو أقدم إنسان ما على الانتحار ـ لأي سبب كان ـ فقد ارتكب جرماً آنياً ، ولكنّه في نفس الوقت خلّف جزاءً غير متناه وهو فقد الحياة إلى الأبد ، أو أنّ هذا الإنسان أقدم على إذهاب بصره من خلال اقتراف عمل لا يتجاوز عدّة ثوان ، إلّا أنّ هذا العمل السريع جداً يستتبع نتيجة دائمة وهي فقد البصر مدى الحياة.
وبالطبع انّ ذلك ليس قاعدة دائمة في جميع الأفعال ، إذ بعض الأفعال يكون جزاؤها موقتاً جداً ولا يتجاوز الدقائق المحدودة.
فمثلاً من يتذوّق الطعام المرّ فانّه يشعر بالألم والمرارة نتيجة ذلك العمل به ، ولكنّه في الواقع شعور مؤقت يزول بعد دقائق.
من هنا نعلم أنّ العلاقة بين الجزاء والعمل تكون على نحوين :
١. علاقة توليدية أبدية.