المعاد من الأُمور الممكنة التي ينبغي السؤال عن علّتها ولذلك قال : ما هي الغاية من وراء المعاد؟ ولكنّه لو التفت إلى علل المعاد التي تقتضي كونه أمراً ضرورياً ، فحينئذٍ تتجلّى له العلّة الغائية للمعاد والتي تكمن فيه ، والجدير بالذكر أنّ كون المعاد تجلّياً للعدل الإلهي هو أحد علل وأسباب ضرورية المعاد حيث يوجد إلى جانبه علل أُخرى كثيرة.
ثانياً : انّ هذا الإشكال انّما يرد على بعض العقوبات والمثوبات التي تكتسب صفة اعتبارية جعلية ، أي العقوبات التي لا تكون من لوازم وجود الإنسان ، وإنّما تفاض عليه من السماء أو يعاقب عليها كذلك من السماء.
ولكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّه ليس كلّ العقوبات والمثوبات ذات صفة اعتبارية وجعلية ، بل البعض منها فقط من هذا القبيل ، وأمّا البعض الآخر فهو من لوازم وجود الإنسان ، بمعنى أنّ الإنسان وبسبب قيامه بسلسلة من الأعمال الحسنة أو السيّئة في هذا العالم ، تخلق فيه مجموعة من الملكات التي تكون سبباً لتقوّم شخصيته وتحقيقها ، وحين تقوم الساعة يحشر هذا الإنسان بتلك الملكات والصفات ، وتلازمه تلك الصفات ولا يمكنه أن يتخلّص منها ، فتكون سبباً لسعادته وفرحه أو سبباً لعذابه وشقائه.
فالإنسان المذنب وبسبب انطماسه في الشهوات يمتلك صفات وملكات خاصة تخلق له ـ وبصورة قهرية ـ سلسلة من الصور الخبيثة والمؤذية ، وكذلك الإنسان المؤمن والمحسن يمتلك سلسلة من الملكات الجميلة التي تخلق له صوراً بهيّة تلازمه في ذلك العالم ، فالصنف الأوّل يتأذى ويتألّم بعمله ، والإنسان المؤمن يتنعّم ويلتذ بنفس أعماله أيضاً.
ومن هنا تبيّن انّ هذا الجواب يعتمد على نكتة مهمة ، وهي أنّ طائفة من الآلام واللّذات وليدة نفس الإنسان المبعوث والتي تناسب ذلك العالم.