الحرية الفردية لا مبرر له ، لأنّ هذه الحريات سوف تُؤمّن ضمن إطار القوانين التي ترعى المصالح الاجتماعية والفردية على السواء ، بل أنّ الدولة تقوم بتنمية وتقوية الكفاءات والقدرات الذاتية وتعريف الناس بمهامهم ووظائفهم اتّجاه المجتمع واتّجاه الله سبحانه ، إضافة إلى القيام بتنفيذ تلك القوانين الإلهية والاجتماعية وإنزالها إلى حيّز التطبيق.
من هنا ذهب كبار المفكّرين والفلاسفة في العالم من أمثال «أفلاطون» (١) و «أرسطو» (٢) و «ابن خلدون» (٣) وغيرهم إلى أنّ تشكيل الحكومة وإقامة الدولة ظاهرة ضرورية ولا بدّ منها.
نعم هناك اتّجاه آخر ذهب إليه «ماركس» ومؤيّدوه ـ انطلاقاً من تفكيرهم الفلسفي المبني على الصراع الطبقي ـ إلى أنّ ضرورة وجود الدولة وتشكيل الحكومة قائمة ما دام المجتمع يعيش حالة «الصراع الطبقي» ، ولكنّه إذا وصل إلى مرحلة «الشيوعية» وزالت جميع الفوارق الطبقية وعولجت جميع المشاكل الاقتصادية ، فحينئذٍ تنتفي الحاجة إلى وجود الحكومة وتشكيل الدولة.
ولكن غاب عن أصحاب هذه النظرية ـ التي ثبت زيفها ـ انّ حصر الهدف من تشكيل الدولة والغاية من إقامة الحكومة في حلّ المشكلة الاقتصادية وإزالة الفوارق الطبقية في المجتمع يمثّل رؤية آحادية الاتجاه بمعنى النظر إلى القضية من زاوية واحدة ، ولا ريب أنّ هذا النحو من التفكير لا يبتني على أُسس علمية وقواعد برهانية محكمة ، لأنّه وفي الحقيقة لا تنحصر الدوافع إلى وجود الدولة في الأمرين المذكورين ـ المشكلة الاقتصادية والطبقية ـ حتّى تزول بزوالهما ، بل هناك
__________________
(١). الجمهورية.
(٢). السياسة : ٩٦ ، ترجمة أحمد لطفي.
(٣). مقدمة ابن خلدون : ٤١ ـ ٤٢.