(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ ...). (١)
ومن المعلوم أنّ هذا التقسيم لا يصح في حقّ الملائكة أبداً ولا مجال لفكرة التزاوج بينهما ، ولقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه الحقيقة وتصدّت للرد على النظرية التي تحاول وصف الملائكة بالأنوثة حيث قال سبحانه :
(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (٢).
فهذه الآيات تجعل من الشيطان موجوداً في مقابل الملائكة ، وبهذا نصل إلى نتيجة قطعية بأنّ إبليس لم يكن من جنس الملائكة. إذا اتّضح ذلك يأتي دور الإجابة عن التساؤل التالي.
كيف توجّه الخطاب إليه مع كونه ليس من الملائكة؟
وفي المقام يمكن الإجابة بوجهين :
الأوّل : أنّه كان هناك خطاب مستقل وأمر منفرد موجّه إلى إبليس بالخصوص إلى جانب الأمر الموجّه إلى الملائكة ، وهذا ممّا يظهر من الآية الكريمة :
(... ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ...). (٣)
ومن الواضح أنّ إبليس لم يتنكّر لهذا الخطاب ولم يتذرّع للخلاص من هذه الإدانة بأنّ الأمر كان موجهاً للملائكة وأنا لست من جنسهم ، بل قبل واعترف بتوجّه الخطاب إليه ، ولكنّه تذرّع بعذر آخر وهو أنّه أفضل من آدم في الجنس ، فكيف يسجد لمن هو أدنى منه جنساً؟
قال تعالى حاكياً قول إبليس : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). (٤)
__________________
(١). الجن : ٦.
(٢). الزخرف : ١٩.
(٣). الأعراف : ١٢.
(٤). الأعراف : ١٢.