الثاني : انّ الخطاب كان متوجّهاً إلى الملائكة وهم في «مقام القدس» يهلّلون ويسبّحون الله سبحانه وتعالى ويقدّسونه ، وبما أنّ إبليس كان بينهم في تلك الحالة من التسبيح والتقديس والحمد والثناء ، لذلك توجّه الخطاب إلى الجميع باعتبار الحالة التي كانوا عليها من العبادة لا باعتبار الجنس أو النوع. (١)
ثمّ إنّ الذين ذهبوا إلى اعتماد النظرية الثانية وقبلوا التوجيه الثاني لتفسير شمول الخطاب لإبليس قد تحيّروا في تفسير الآية التي تقول إنّ إبليس كان من الجن ، ولذلك اضطروا إلى ولوج باب التأويل ، فجاءوا بتأويلات غير صحيحة :
منها انّهم قالوا : إنّ المراد من الجن هو الموجودات غير المرئية ، لا طائفة خاصة باسم الجن حقيقة ، وبما أنّ الملائكة وجودات غير مرئية لذلك شمل الخطاب الجميع.
وتارة أُخرى : ذهبوا إلى أنّ الجن هم طائفة وصنف من أصناف الملائكة أيضاً ، فمن هنا شملهم الخطاب حقيقة. (٢)
والحال أنّ المتبادر من الجن في القرآن هو نفس الموجودات التي تقع في مقابل الملائكة ، لا كونها وجودات غير مرئية كما يذهب إليه أصحاب هذا الرأي ، ولا انّها صنف آخر من أصناف الملائكة كما يذهب إليه الرأي الآخر.
ومن هنا يتّضح أنّ الجواب الأوّل والنظرية الأُولى هي النظرية المستحكمة والتي تنسجم مع ظاهر الآيات ولا حاجة معها إلى كلّ تلك التأويلات البعيدة. (٣)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
__________________
(١). انظر الميزان : ١ / ٢٣٨.
(٢). انظر مجمع البيان : ٣ / ٤٧٥ ؛ تفسير المنار : ١ / ٢٦٥.
(٣). منشور جاويد : ١١ / ٦٥ ـ ٦٧.