والنجاح.
إذاً فبما انّ الصفات الأخلاقية والنفسية من الأُمور التي تورث وتُعدّ بمثابة الأرضية المساعدة للشقاء أو السعادة ، وليست هي العلّة التامّة لهما ، فبالطبع انّ ذلك لا يستلزم حينئذٍ أي نوع من الجبر والحتمية التي لا تنفك عن الإنسان ولا يمكنه التخلّص منها.
وأمّا الحديث الثاني فإنّه في الواقع ناظر إلى بيان حقيقة أُخرى لا علاقة لها بالشقاء أو السعادة وهذه الحقيقة هي انّ الحديث يحاول التركيز على نقطة مهمة وهي انّ الناس يختلفون من ناحية الاستعدادات والمواهب الكمالية مثلهم مثل الذهب والفضة في الخلق ، فإنّ الصفات الكامنة في الذهب غير الصفات الكامنة في الفضة وغيرها من المعادن ، وأنّ كلّ مخلوق في الواقع خلق للقيام بمهمة خاصة وتنفيذ ما يراد منه بمقدار ما منح من الاستعدادات والمواهب والصفات.
وفي الختام نشير إلى الحديث المروي عن الإمام الكاظم عليهالسلام في هذا المجال :
عن محمد بن أبي عمير قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام عن معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعيدُ مَنْ سَعِدَ في بَطْنِ أُمّهِ» فقال : «الشقي من علم الله وهو في بطن أُمّه أنّه سيعمل أعمال الأشقياء ، والسعيد من علم الله وهو في بطن أُمّه أنّه سيعمل أعمال السعداء».
قلت له : فما معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له»؟ فقال : «إنّ الله عزوجل خلق الجنّ والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله عزوجل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، فيسّر كلاً لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى» (١). (٢)
__________________
(١). توحيد الصدوق : ٣٥٦ ، الحديث ٣.
(٢). منشور جاويد : ٤ / ٣٨٥ ـ ٣٨٨.