إلى هنا اتّضح جلياً مفاد الآيتين ، وأنّ الشقاوة الذاتية التي تلازم الإنسان منذ اللحظة الأُولى لولادته ولا يمكنه الخلاص منها لا معنى لها حسب الرؤية القرآنية ، وأنّ القرآن ينفي ذلك ويربط القضيتين «السعادة والشقاء» بعمل الإنسان ومنهجه الذي يعتمده في الحياة الدنيا ، إن كان صالحاً فهو في الآخرة من السعداء ، وإن كان عمله سيّئاً فهو في الآخرة من الأشقياء.
إذا عرفنا النظرية القرآنية في هذا المجال نعطف عنان القلم لدارسة بعض الروايات التي قد يستفاد منها ـ ظاهراً ـ الشقاوة الذاتية وكذلك السعادة ، لندرسها ونرى ما ترمي إليه هذه الروايات التي منها :
١. روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ في بَطْنِ أُمّهِ». (١)
٢. «النّاسُ مَعادِنٌ كَمَعادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ». (٢)
إنّ الحديث الأوّل ـ على فرض التسليم بصحّة سنده ـ ناظر إلى الصفات الوراثية التي يحملها الطفل وتنتقل إليه من أبويه ، لأنّ الصفات الموروثة للأطفال لا تختص بالصفات البدنية والجسمية فقط ، بل تعمّ الصفات الأخلاقية كالفضائل النفسية والأخلاقية أو الرذائل النفسية ؛ فالطفل الذي تنعقد نطفته من أبوين مريضين بدنياً وأخلاقياً لا ريب أنّه سيتأثر ومنذ اللحظة الأُولى بذلك الأمر ، ويكون ذلك العامل مقدّمة أو مقدّمات لتوفير الأرضية المناسبة للشقاء والتعاسة (نعم نقول : إنّه يوفّر الأرضية المناسبة للسعادة أو الشقاء لا انّه يمثل العلّة التامة لذلك). وعلى العكس من ذلك الطفل الذي تنعقد نطفته من أبوين سالمين بدنياً وأخلاقياً فإنّه وبلا ريب ستتوفّر له الأرضية المناسبة للسعادة
__________________
(١). توحيد الصدوق : ٣٥٦ ، وروح البيان : ١ / ١٠٤.
(٢). الكافي : ٨ / ١٧٧ ، الحديث ١٩٧ ؛ من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٨٠ ، الحديث ٥٨٢١.