إنّ المراد من كلمة (أَنابَ) في الآية الأُولى و (يُنِيبُ) في الآية الثانية هو العودة والرجوع والالتفات إلى الله سبحانه بصورة متكرّرة ، هو أنّ هذا النوع من الهداية من نصيب من أصغى لنداء العقل وخضع واستجاب لنداء المرشدين والمصلحين الإلهيين ، ووضع نفسه في طريق الهداية الخاصة طالباً من الله سبحانه المزيد من التوفيق والسداد والرعاية والعطف.
وإذا كان الملاك في شمول الهداية الخاصة للإنسان هو استغلاله لطرق الهداية العامّة على أكمل وجه ، فإنّ الملاك في الضلال والخذلان الإلهي هو الإعراض والعصيان والتمرّد على الهداية العامّة وعدم الاستفادة منها بالنحو المطلوب.
يقول سبحانه :
(... فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ). (١)
وفي آية أُخرى يقول سبحانه :
(... وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ). (٢)
إنّ استفادة الجبر من قوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) مبني على تصوّر وحدة الضلالة والهداية ، بمعنى انّهم تصوّروا أنّ لله سبحانه وتعالى نوعاً واحداً من الهداية والضلالة وأنّها تختص بذلك الفريق الذي أراد الله له الهداية والرشاد ويُحرم منها الفريق الآخر ، والحال أنّه يوجد هنا نوعان من الهداية : إحداهما عامّة ، والأُخرى خاصة ، وانّ الملازم للعدل الإلهي هو النوع الأوّل من الهداية ، وأمّا
__________________
(١). الصف : ٥.
(٢). إبراهيم : ٢٧.