النوع الثاني من الهداية (الهداية الخاصة) فهو رهين ببعض الشروط التي من أهمها شرط الاستفادة من النوع الأوّل من الهداية واستغلالها بحيث يضع الإنسان نفسه أمام الرحمة والفيض الإلهي لكي تشمله الرعاية والهداية الخاصة.
صحيح أنّ الله تعالى جعل كلا النوعين من الهداية في إطار مشيئته وإرادته ، ولكن إرادته سبحانه ومشيئته لا تكون بدون ملاك وبلا جهة ، بل ملاكها وجهتها هو وجود اللياقة والكفاءة والاستعداد اللازم في العبد الذي وصف في بعض الآيات بقوله تعالى : (أَنابَ) و (يُنِيبُ) ولا شك أنّ الحصول على هذا الاستعداد ، وتلك اللياقة لا يتسنّى لكلّ إنسان مهما كان.
ولتوضيح فكرة الهداية الخاصة بنحو أتم وبصورة أجلى وأوضح نأتي بالمثال التالي :
لنفرض أنّ مجموعة من الناس قد وقفوا على مفترق طرق وأنّهم يبحثون عن مكان خاص يريدون الوصول إليه ، فأرشدهم أحد الأشخاص العارفين إلى الطريق ، فتحرك قسم منهم باتجاه الطريق الذي أُرشدوا له ، وبعد ذلك وصلوا إلى مفترق طرق وقاموا بنفس ما قاموا به في الحالة السابقة وأُرشدوا إلى الطريق. فإنّ هؤلاء وبلا شكّ سيصلون إلى المقصد الذي جاءوا من أجله ، لأنّهم أذعنوا إلى إرشادات العارفين بالطريق وأهل الخبرة ، وأمّا الطائفة التي بقيت واقفة في مكانها ـ مفترق الطرق الأوّل ـ أو أنّهم ساروا على خلاف ما أرشدوا إليه أوّلاً ، فلا ريب أنّهم كلّما جدّوا في السير لا يزيدهم السير إلّا بعداً عن الهدف الذي جاءوا من أجله «لأنّ العامل من غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزداده كثرة السير إلّا بعداً». (١)
__________________
(١). الأُصول الأصيلة للفيض القاساني : ١٤٨.