وأما باعتبار البديع فلا يقال إنه فصيح ولا بليغ ، لأن البديع أمر خارجي يراد به تحسين الكلام لا غير.
إذا تقرر ذلك ، وجب على طالب البيان أن يعرف قبل الشروع فيه معرفة معنى «الفصاحة والبلاغة» لأنهما محوره ، وإليها مرجع أبحاثه.
فهما الغاية التي يقف عندها المتكلم والكاتب ، والضالة التي ينشدانها وما عقد أئمة البيان الفصول. ولا بوبوا الأبواب ، إلا بغية أن يوقفوا المسترشد على تحقيقات ، وملاحظات ، وضوابط ، إذا روعيت في خطابه. أو كتابه. بلغت الحد المطلوب من سهولة الفهم ، وإيجاد الأثر المقصود في نفس السامع ، واتصفت من ثم بصفة الفصاحة (١) والبلاغة.
__________________
بليغا ، إذ هو مقيم الحروف وليس لها قصد إلى المعنى الذي يؤديه وقد يجوز مع هذا أن يسمى الكلام الواحد فصيحاً بليغاً إذا كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك غير مستكره فج ، ولا متكلف وخم ، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء لما فيه من ايضاح المعنى وتقويم الحروف. واعلم أن الفصيح من الألفاظ هو الظاهر البين ، وإنما كان ظاهراً بيناً لأنه مألوف الاستعمال ، وإنما كان مألوف الاستعمال بين النابهين من الكتاب والشعراء لمكان حسنه ، وحسنه مدرك بالسمع ، والذي يدرك بالسمع انما هو اللفظ لانه صوت يتألف من مخارج الحروف فما استلذه السمع منه فهو الحسن ، وما كرهه فهو القبيح والحسن هو الموصوف بالفصاحة والقبيح غير موصوف بالفصاحة ، لأنه ضدها لمكان قبحه.
(١) يرى الإمام عبد القاهر الجرجاني وجمع من المتقدمين أن الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة ألفاظ مترادفة لا تتصف بها المفردات ، وإنما يوصف بها الكلام بعد تحري معاني النحو فيما بين الكلم حسب الأغراض التي يصاغ لها.
وقال أبو هلال العسكري في كتاب الصناعتين الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد : وإن اختلف أصلاهما. لأن كل واحد منهما انما هو الابانة عن المعنى والاظهار له. وقال الرازي في نهاية الإيجاز وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين الفصاحة والبلاغة : وقال الجوهري في كتابه الصحاح الفصاحة هي البلاغة.