ونحو : قول الشاعر :
زعم العوازل أنني في غمرة |
|
صدقوا ، ولكن غمرتي لا تنجلي |
كأنه سئل : أصدقوا في زعمهم أم كذبوا؟ فاجاب : صدقوا (١).
__________________
(١) وبيان ذلك بعبارة أخرى أنه إذا اجتمعت جملتان : فذلك على خمسة أحوال :
أولا : أن تكون الثانية بمعنى الأولى ، أو جزءاً منها ، فيجب ترك العطف لأن الشيء لا يعطف على نفسه ، وكذا الجزء لا يعطف على كله. فيقال حينئذ : إن بين الجملتين كمال الاتصال ، ومواضعه :
«أ» أن تكون الثانية توكيداً للاولى ، مثل قوله تعالى (ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم).
«ب» أن تكون الثانية بدلا من الأولى ، مثل أطعت الله ، أديت الصلاة.
«ج» ان تكون الثانية بياناً للأولى ، مثل بثني شكواه ، قال إني لا أجد قوت يومي.
ثانياً : أن تكون الثانية مباينة للاولى تمام المباينة ، فيجب ترك العطف لأن العطف يكون للربط ، ولا ربط بين المتباينين ، فيقال بين الجملتين كمال الانقطاع ، ومواضع ذلك :
«أ» أن تختلفا خبراً وإنشاء مثل ، مات فلان ، رحمه الله. إلا إذا أوهم ترك العطف خلاف المقصود فيجب العطف نحو لا وشفاك الله.
«ب» أن تنحدا خبرا وإنشاء ، ولكن لا يوجد بينهما رابط ، مثل القمر طالع أكلت كثيرا.
ثالثاً : أن تكون الجملتان متناسبتين وبينهما رابطة ، ويسمى ذلك التوسط بين الكمالين ، وذلك على نوعين :
«أ» ألا يمنع من العطف مانع فيعطف ، مثل اجتهدوا وتأدبوا.
«ب» أن يمنع من العطف مانع وهو عدم قصد التشريك في الحكم ، فيمتنع العطف مثل قوله تعالى : (وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مشتهزئون الله يستهزىء بهم).
رابعا : أن تكون الثانية قوية الرابطة بالاولى ، لانها جواب عن سؤال يفهم من الاولى ، فهذه الرابطة القوية تمنع العطف ، لأنها أشبهت حالة اتحاد الجملتين ويسمى ذلك شبه كمال الاتصال مثل رأيته مبتسما ، أظنه نجح.
خامساً : أن تكون الأخيرة مناسبة للاولى ، ولا مانع من عطفها عليها ، ولكن يعرض حائل بينهما ، وهو جملة أخرى ثالثة متوسطة ، فلو عطفت الثالثة على الأولى لمناسبة لها ، لتوهم أنها معطوفة على المتوسطة ، فامتنع العطف بتاتا ، وأصبحت الجملتان كأنهما منقطعتان بهذا الحائل ، ويسمى ذلك (شبه كمال الانقطاع).