ولهذا التشبيه : روعة أخرى ، جاءت من أن الشاعر : تخيل أن السنن مضيئة لمّاعة ، وأن البدع مظلمة قاتمة.
ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي :
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها |
|
وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه |
يدعو الشاعر : على نفسه بالبلى والفناء ، إذا هو لم يقف بالأطلال ، ليذكر عهد من كانوا بها ، ثم أراد أن يصور لك هيئة وقوفه ، فقال : كما يقف شحيح فقد خاتمه في التراب ، من كان يوفَّق إلى تصوير حال الذاهل المتحير المحزون ، المطرق برأسه ، المنتقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة ، بحال شحيح فقد في التراب خاتماً ثميناً.
هذه بلاغة التشبيه من حيث مبلغ طرافتهن وبعد مرماه ، ومقدار ما فيه من خيال.
أما بلاغته من حيث الصورة الكلامية التي يوضع فيها ، فمتفاوتة أيضاً.
فأقل التشبيهات مرتبة في البلاغة ما ذكرت أركانه جميعها ، لأن بلاغة التشبيه مبنية على ادعاء أن المشبه عين المشبه به ، ووجود الاداة ، ووجه الشبه معاً ، يحولان دون هذا الادعاء ، فإذا حذفت الاداة وحدها ، أو وجه الشبه وحده ، ارتفعت درجة التشبيه في البلاغة قليلا ، لأن حذف أحد هذين يقوى ادعاء اتحاد المشبه والمشبه به بعض التقوية ـ أما أبلغ أنواع التشبيه «فالتشبيه البليغ» لانه مبنى على ادعاء أن المشبه والمشبه به شيء واحد.
هذا ـ وقد جرى العرب والمحدثون على تشبيه : الجواد بالبحر ، والمطر والشجاع بالأسد ، والوجه الحسن بالشمس والقمر ، والشهم الماضي في الأمور بالسيف ، والعالي المنزلة بالنجم ، والحليم الرَّزين بالجبل ، والأماني الكاذبة بالاحلام ، والوجه الصبيح بالدينار ، والشعر الفاحم بالليل ، والماء الصافي باللجين ، والليل بموج البحر ، والجيش بالبحر الزاخر ، والخيل بالريح والبرق ، والنجوم بالدرر والأزهار ، والأسنان بالبرد واللؤلؤ والسفن بالجبال ، والجداول بالحيات الملتوية ، والشيب بالنهار ، ولمع السيوف وغرة الفرس بالهلال ، ويشبهون الجبان بالنعامة والذبابة ، واللئيم بالثعلب ، والطائش بالفراش ، والذليل