ولو أن مَجداً أخلدَ الدهرَ واحداً |
|
من الناس أبقى مجده الدهر (مطعما) (١) |
الثالث : التعقيد اللفظي : هو كون الكلام خفيّ الدّلالة على المعنى المراد به بحيث تكون الألفاظ غير مُرتبة على وفق ترتيب المعاني. وينشأ ذلك التّعقيد من تقديم أو تأخير أو فصل بأجنبي بين الكلمات التي يجب أن تتجاور ويتصل بعضها ببعض) (٢) وهو مذموم : لأنه يُوجب اختلال المعنى واضطرابه ، من وضع ألفاظه في غير المواضع اللّائقة بها ـ كقول المتنبي
جفخت وهم لا يجفخونَ بهابهم |
|
شيمٌ على الحسَب الأغر دلائل (٢) |
أصله : جفخت (افتخرت) بهم شيمَ دلائل على الحسب الأغر هم لا يجفخون بها.
الرابع : التعقيد المعنوي كون التركيب خفىّ الدَّلالة على المعنى المراد (٣) ، بحيث لا يفهم معناه إلاّ بعد عناء وتفكير طويل.
وذلك لخلل في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود بسبب إيراد اللوازم البعيدة ، المفتقرة إلى وسائط كثيرة ، مع عدم ظهور القرائن الدّالة على المقصود : بأن يكون
__________________
(١) فان الضمير في من (مجده) راجع إلى (مطعما) وهو متأخر في اللفظ كما يرى ، وفي الرتبة لأنه مفعول به ، فالبيت غير فصيح لمخالفته قواعد النحو.
ومطعم أحد رؤساء المشركين وكان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى البيت أنه لو كان مجد الانسان سببا لخلوده في هذه الدنيا لكان (مطعم ابن عدي) أولى الناس بالخلود لأنه حاز من المجد ما لم يحزه غيره على يد صاحب الشريعة.
(٢) وذلك كالفصل بأجنبي بين الموصوف والصفة ، وبين البدل والمبدل منه وبين المبتدأ والخبر ، وبين المستثنى والمستثنى منه ، مما يسبب ارتباكا واضطراباً شديداً.
(٣) فلفظة جفخت مرة الطعم ، وإذا مرت على السمع اقشعر منها : ولو استعمل (المتنبي) عوضا عن جفخت (فخرت) لاستقام البيت ، وحظى في استعماله بالأحسن.
(٤) بحيث يعمد المتكلم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات في غير معناها الحقيقي ، فيسىء اختيار الكلمات للمعنى الذي يريده ، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع نحو : نشر الملك السنته في المدينة ، يريد جواسيسه والصوان نشر عيونه.