رحلتُ فكم باك بأجفان شادن |
|
علىَّ وكم باكٍ بأجفانِ ضيغم (١) |
وما ربّة القرط المليح مكانه |
|
بأجزع من رب الحسامِ المصممِ (٢) |
فلو كان ما بي من حبيب مقنع |
|
عذرتُ ولكن من حبيب معمم |
رمى واتقى رمي ومن دون ما اتقى |
|
هوى كاسرُ كفي وقوسي وأسهمي |
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه |
|
وصدق ما يعتاده من توهم |
فإنه كنى عن سيف الدولة ، أولاً : بالحبيب المعمم ، ثم وصفه بالغدر الذي يدعى أنه من شيمة النساء ، ثم لامهُ على مبادهته بالعدوان ، ثم رماه بالجبن ، لأنه يرمى ويتقى الرمي بالاستتار خلف غيره ، على أن المتنبي لا يجازيه على الشر بمثله ، لأنه لا يزال يحمل له بين جوانحه هوى قديماً ، يكسر كفه وقوسه ، وأسهمه ، إذا حاول النضال ، ثم وصفه بأنه سىء الظن بأصدقائه لأنه سيء الفعل ، كثير الأوهام والظنون ، حتى ليظن أن الناس جميعاً مثله في سوء الفعل ، وضعف الوفاء ، فانظر كيف نال المتنبي من سيف الدولة هذا النيل كلهن من غير أن يذكر من اسمه حرفاً.
هذا ، ومن أوضح مميزات الكناية التعبير عن القبيح بما تسيغ الآذان سماعه ، وأمثلة ذلك كثيرة جداً في القرآن الكريم ، وكلام العرب فقد كانوا لا يعبرون عما لا يحسن ذكره الا بالكتابة ، وكانوا لشدة نخوتهم يكنون عن المرأة بالبيضة والشاة.
ومن بدائع الكنايات قول بعض العرب :
ألا يا نخلة من ذات عرق |
|
عليك ورحمة الله السلام (٣) |
فانه كنى بالنخلة ، عن المرأة التي يحبها.
__________________
(١) الشادن ولد الغزال ، والضيغم الاسد ، اراد بالباكي بأجفان الشادن المرأة الحسناء ، وبالباكي بأجفان الضغم الرجل الشجاع ، يقول كم من نساء ورجال بكوا على فراقي ، وجزعوا لارتحالي.
(٢) القرط ما يعلق في شحمة الأذن والحسام السيف القاطع ، والمصمم الذي يصيب المفاصل ويقطعها ، يقول لم تكن المرأة الحسناء بأجذع على فراقي من الرجل الشجاع.
(٣) ذات عرق موضع بالبادية وهو مكان احرام أهل العراق.