وقد أكدت سورة العنكبوت هذا المفهوم بقوله تعالى : (وَمَاكُنتَ تَتلُوا مِن قَبلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمينِكَ اذاً لّارتَابَ المُبطِلُونَ) (العنكبوت / ٤٨)
لاشك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لو درس على يدي استاذ ما في تلك البيئة التي يُعد عدد المتعلمين فيها قليل جدّاً لكان من المستحيل عليه أن يأتي بمثل هذا القول الجلي ، ولجابهه بعض الأفراد المطلعين على مجريات الأحداث بهذه الحجّة القوية متهمين إيّاه بالكذب والافتراء.
وحتى لو كان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يعرف القراءة والكتابة فإنّ من المسلّمات أيضاً أنّ هذا القرآن لا يمكن أن يأتي به عقل بشري ، فعدم معرفة الرسول القراءة والكتابة دليل قاطع على هذا المعنى.
وفي آيتين من القرآن الكريم جاء تصريح واضح أيضاً : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الامِّيَّ) و (فآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الامِّيِّ). (الأعراف / ١٥٧ ـ ١٥٨)
وفي آية اخرى ضمنت ذلك المعنى بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الامّيّينَ رَسُولاً مِّنهُم). (الجُمعة / ٢)
ونحن نعرف أنّ أشهر تفسير لكلمة «أُميّ» هو من لا يقرأ ولا يكتب وحاله كحال الذي يخرج من بطن أُمه لم ير استاذاً ولا مدرسة.
وفسّر البعض كلمة «أُميّ» بأنّه من قام من بين الامة والنّاس لا من بين الطغاة والجبابرة. وبعضهم يذهب إلى أنّه من وُلد في مكة المكرمة لأنّ أحد أسمائها (أم القُرى) أو من قام من مكة ، وتخلتف الروايات بهذا الصدد ولكن لا مانع في ذلك لو احتملنا أنّ كلمة «أُميّ» تتضمن معنى المفاهيم الثلاثة (لا يقرأ ولا يكتب) ، وقام من بين الأمة ، وولد في منطقة مكة.
وقد حاول بعض المستشرقين المخالفين أن يسلبوا هذه الخصيصة من الرسول صلىاللهعليهوآله حيث زعموا أنّه كان رجلاً غير (أمي) ، ولو أنّه كان كما يدعون فكيف خفي ذلك على بيئة لا يمكن أَن يخفى فيها شيء على أحد ، بل إنّها ليس لها القدرة على انكار ذلك.