إلّا أنّ الحديث الذي ينقل عنه بعنوان المعارضة للقرآن يدل بوضوح ـ فضلاً عن كل ما مرّ ـ على أنّه رجل سخيف ، يعتمد السجع في الكلمات من دون أن يهتم بمحتوى كلامه.
من جملة عباراته المضحكة التي نقلت عنه في هذا المجال كتقليد للقرآن ، هي هذه الكلمات :
«والمبذرات بذراً ، والحاصدات حصداً ، والذاريات قمحاً ، والطاحنات طحناً ، والعاجنات عجناً ، والخابزات خبزاً ، والثاردات ثرداً ، واللاقمات لقماً ، إهالة وسمناً» (١).
يبدو أنّه يريد من وراء هذه الجمل المضحكة أن يتحدى آيات سورة العاديات أو الذاريات.
يقول القرآن : (وَالعَادِيَاتِ ضَبحَاً* فَالمُورَياتِ قَدحَاً* فَالمُغِيَراتِ صُبحَاً* فَأَثَرنَ بِهِ نَقعَاً* فَوَسَطنَ بِهِ جَمعَاً* انَّ الانَسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ ...) انظر إلى هذا التفاوت البعيد.
ينقل عنه في عبارة اخرى أنّه نزلت عليه هذه الآيات «يا ضفدعة بنت ضفدعين نقي ماتنقين أعلاكِ في الماء وأسفلك في الطين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين» (٢).
وسائر الأحاديث أو بحسب زعمه الآيات الاخرى التي نقلت عنه هي على هذه الشاكلة أيضاً ، بل إنّ بعضها أسوء حالاً ، وبعضها ركيك ، فالإعراض عن ذكرها أولى.
ويستفاد بوضوح من عباراته التي نقلت عنه أنه يولي السجع أهميّة كبيرة ويرى ذلك كافياً ، بالضبط على غرار الأشعار التي تنظم في زماننا للاطفال وهي مطالب خاوية لا قيمة لها تصب من دون معنى مترابط في قوالب شعرية ، ويكتفون بقافيتها فقط.
يذكر المؤرخون : أنّه كان في عصره امرأة معروفة بالكذب اسمها (سَجاح) على وزن حَباح) ، وكانت العرب تقول : «فلان أكذب من سجاح» نظراً لما اشتهر عنها بالكذب. وهي من بني تميم ، وكانت تدعي النبوة ونزول الوحي عليها أيضاً وتبعها ثلة من الناس ، وأخذت هي الاخرى تنشىء الفاظ السجع كمسيلمة.
__________________
(١) سفينة البحار ، مادة (سلم) ؛ تاريخ ابن الاثير ، ج ٢ ، ص ٣٦١ ؛ اعجاز القرآن للرافعي ، ص ١٢٧.
(٢) المصدر السابق ص ١٢٨.