ولو أن إرادة الله تعالى تعلقت بالفعل مباشرة ، من دون توسيط اختيار الإنسان ، لكان ذلك هو الجبر الباطل بعينه ..
وأما لو كنت أنت الذي تشاء وتريد ، وتختار ، مستقلا في الإرادة والمشيئة ، وفي الاختيار ، وإيجاد الفعل .. فيكون هذا هو التفويض الباطل بعينه.
وبذلك يتضح : أن هذه الآية الشريفة هي من موارد القاعدة المشهورة التي قررها أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم ، والتي تقول : لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين.
ولأجل ذلك لم يأت التعبير في الآية المباركة : «ما تَفْعَلُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ» ، فإنه لو قال ذلك ، لكانت الآية دالة على الجبر ، لأن تعليق إرادة الله بفعلنا مباشرة معناه : أنه تعالى يوجد تلك الأفعال بمحض مشيئته .. وليس للعباد أي دخل في ذلك.
ولكنه لما قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) .. فإن مشيئته تعالى قد تعلقت بالمشيئة والإرادة للناس التي هي محرك وطاقة وقوة فإذا وجدت هذه الطاقة والقوة والإرادة ، والمشيئة لدى الإنسان ، فإنه هو الذي يختار أن يعلقها بهذا الأمر أو بغيره. كما قلنا.
وبصورة أكثر إيجازا نقول :
قد يقال : إن المراد بالآية هو : أن للهداية أصولها ونواميسها ، والسير في طريقها إنما هو بقرار من الإنسان نفسه .. وهذا القرار لا يأتي قسرا عن الله سبحانه ، بل يبقى له تعالى درجة من التأثير في فعل الإنسان وفي مشيئته ، من حيث إنه قادر على شل حركته ، ومنعه من الاختيار ، ومن الفعل على حد سواء. تماما كما هو الحال بالنسبة للنهر الجاري باتجاه