أى : ما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات والعلم ، إما من جهة العقل ، وإما من جهة السمع والكتب والخبر ، وإما من جهة المعاينة والمشاهدة لكنهم تعاندوا وكابروا وكفروا به بغيا.
وقوله : (بَغْياً بَيْنَهُمْ).
قيل (١) : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، أى : حسدا بينهم.
وقيل (٢) : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، ظلما منهم ، ظلموا محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ).
تأويله ـ والله أعلم ـ أى هدى الله الذين آمنوا ، ولم يختلفوا من بين الذين اختلفوا.
ويحتمل : هدى الله من أنصف ولم يعاند ، ولم يهد الذين عاندوا ولم ينصفوا.
وقوله : (بِإِذْنِهِ)(٣) ، قيل : بأمره ، وقيل : بفضله.
لكن قوله : (بِإِذْنِهِ) ، بأمره ، لا يحتمل ، ولكن (بِإِذْنِهِ) ، أى : بمشيئته وإرادته.
وقوله : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
فيه دلالة أنه من شاء أن يهتدى فاهتدى ، ومن لم يشأ أن يهتدى لم يهتد ؛ لأنه لو كان شاء أن يهتدوا جميعا [أنه من شاء أن يهتدوا جميعا](٤) ، على ما يقوله المعتزلة ، لكان يقول : والله يهدى إلى صراط مستقيم ، ولم يقل : (مَنْ يَشاءُ) ، [فدل قوله : (مَنْ يَشاءُ)](٥) على أنه شاء إيمان من آمن ، ولم يشأ إيمان من لم يؤمن ، فالآية تنقض على المعتزلة قولهم : إنه شاء أن يؤمنوا ، لكن آمن بعضهم ولم يؤمن البعض.
وفى قوله : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) ، دلالة على ألا يفهم من البعث والإتيان والمجىء الانتقال من مكان إلى مكان ، ولا الزوال من موضع إلى موضع ؛ لأنه ذكر البعث ، وهم كانوا بين ظهرانيهم ، فدل أنه يراد الوجود ، لا غير.
وقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
قيل : معنى قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ) ، على إسقاط «الميم».
__________________
(١) انظر : تفسير البغوى (١ / ١٨٧).
(٢) ينظر : التخريج السابق.
(٣) زاد فى ط : يحتمل وجوها.
(٤) سقط فى أ.
(٥) سقط فى ط.