إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] ، يعنى : أصنافا.
ثم خص الله تعالى صنفا ببعث الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم من بين غيرها من الأصناف تفضيلا (١) لهم وإكراما ، وبعث كل رسول إلى قومه فيهم كفار وفيهم مؤمنون ؛ لأن الأرض لا تخلو من ولى أو نبى ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : ٧٠] ، ليعلموا أن سائر أصناف الخلق خلقوا لهم ولحاجاتهم. وهو قول الحسن.
وكذلك قول أبى حنيفة ـ رضى الله تعالى عنه ـ : أن الأرض لا تخلو عن نبى أو ولى. والله أعلم.
وقوله : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ) ، لمن أطاعه ، (وَمُنْذِرِينَ) ، لمن عصاه.
وجائز أن تكون البشارة والنذارة جملة (٢) عن الوقوع بما به يقعان مختلف ؛ كقوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] ، وقوله : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١].
وقوله : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ)
يحتمل قوله : (لِيَحْكُمَ) ، وجهين :
يحتمل : (لِيَحْكُمَ) ، الكتاب المنزل عليهم بالحق فيما بينهم ، وهو كقوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف : ١٢].
وقرأ بعضهم (٣) : (لِيَحْكُمَ) ، بالياء ، وقرأ آخرون : «لتحكم» ، بالتاء.
فمن قرأ بالياء جعل الكتاب هو المنذر.
ومن قرأ بالتاء صير الرسول هو المنذر ؛ فكذلك فى هذا : ليحكم الكتاب بينهم بالحق ، وليحكم الرسول بالكتاب فيما بينهم بالحق.
وقوله : (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
يحتمل قوله : (فِيهِ) وجوها :
يحتمل : (فِيهِ) ، فى محمد صلىاللهعليهوسلم.
ويحتمل : (فِيهِ) ، فى دينه.
ويحتمل : (فِيهِ) ، فى كتابه.
وقوله : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)
__________________
(١) فى أ : تفضلا.
(٢) زاد فى ب : له
(٣) ينظر : اللباب (٣ / ٥٠٥ ، ٥٠٦) ، والدر المصون (١ / ٥١٩) ، والمحرر الوجيز (١ / ٢٨٦).