الآية : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ..). الآية.
وفى الآية دليل جواز المناهدات والمؤاكلات فى الأسفار وغيرها حيث أباح لهم المخالطة بأموال اليتامى. فإذا احتمل ذلك مال الصغار من اليتامى فاحتماله فى مال الكبير أشد ؛ إذ مال الكبير يحتمل الإباحة والإذن ، ومال الصغير لا.
وفى الآية دليل جواز القليل من المعروف واليسير منه فى ملك الصغير ، واحتماله ذلك ؛ لأنه ـ جل وعزّ ـ أباح لهم المخالطة مع اليتامى على العلم فى الاستيفاء مبلغ الكبير بل يقصر عنه.
وفيه دليل أن علة الربا ليس هو الأكل ، على ما قاله بعض الناس ، ولكن هو الكيل والوزن ؛ لأنه أباح لهم المخالطة فى المأكول من الطعام والمشروب من الشراب ، على غير كيل ولا وزن ، على العلم بقصور الصغير عن الاستيفاء قدر الكبير وبلوغه مبلغه ، فلو كان علته الأكل لكان لا يبيح لهم أكل الربا ؛ فدل أن علته ليس الأكل ، ولكن هى الفضل عن الكيل أو الوزن فى الجنس.
وفيه دليل جواز بيع الثمرة بالثمرتين لخروجه عن الكيل.
وهكذا كل شىء خرج عن الكيل والوزن ، لترك للناس مكايلته وموازنته ، وإن كان كيليّا يجوز بيع واحد باثنين. والله أعلم.
وفيه دليل أن لا بأس بأن يؤدب الرجل اليتيم بما هو صلاح له. وذلك كما يؤدب ولده وأن يعلمه بما فيه الاعتياد لمحاسن الأخلاق والتوسيع ، كما أمر بالصلاة إذا بلغ سبعا ، والضرب عليها إذا بلغ عشرا اعتيادا. ألا ترى أنه روى فى الخبر : «شر الناس الذى يأكل وحده ويشرب وحده». وفى المخالطة التخلق بالأخلاق الحسنة ، وفى تركها التخلق بالأخلاق السيئة ، والاعتياد بعادة السوء.
وقوله : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ، فيه دليل إضمار ، وهو طلب الصلاح لهم : إما بالتولى لهم فى أموالهم والنظر لهم بما يعقب نفعا لهم ، وطلب التخلق بالأخلاق الحسنة والاعتياد بالعادة المحمودة ؛ فذلك (إصلاح) خير ، بطلبكم الصلاح لهم ، أو خير لهم بما يعود نفع ذلك إليهم. وإلا فظاهر الصلاح حسن لكل أحد ، فلا وجه لتخصيصهم به ؛ فدل أنه على طلب النفع والنظر لهم. والله أعلم.
[وقوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) فيه دليل الترغيب ؛ كقوله : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) [الأحزاب : ٥] ، رغبهم عزوجل بما أخبر أنهم (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) ، بطلب الصلاح والنظر والنفع لهم ، إذ