آثرت فعل البهيمى فى الدين على فعل البشرى ، والكتابية آثرت فعل البشرى ، وهو ما يدعو إليه العقل لا الطباع ؛ لأنهن يرجعن فى الاختيار إلى الإيمان بالرسل لكن أنهى إليهن أنهم نهوا عن الإيمان بمن يدعوهن إليه ، فاعتقدن على ذلك بالآثار عندهن من الحجج ، كما اعتقدنا نحن بأن لا نبى بعد نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، لكن خبرنا صحيح وخبرهم فاسد. وإلا فوجه الاعتقاد على ما فى العقل ذلك. وأما المشركة لم تختر ذلك بحجة أنما كان لوجود الآباء على ذلك من غير الإنهاء إلى من فى العقل اتباعه ؛ كما قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ...) الآية [الزخرف : ٢٢] ، فحرم علينا نكاحها لخبث اختيارها (١) واتباع فعل البهيمى ، وإيثاره على فعل البشرى. والله أعلم.
وعلى ذلك لو أسلمت لم يعظم درجة إسلامها ، لو لا أنا نرجو من رحمة الله أن الله ـ إذا قبلت هى الإسلام ـ بالاختيار لينير قلبها حتى ينشرح صدرها للحق لكان لا يكون لإسلامها فضل حمد (٢). والله الموفق.
ووجه آخر : أن الكتابية لما آمنت بكتب الأنبياء ، عليهم الصلوات والسلام ، فى الجملة ، فقد آمنت بذلك بالرسل جميعا ، لكنها كذبت [ـ من كذبت ـ](٣) لما وقع الخبر عندها بخلاف الحقيقة ، فأمكن أن تنبه عن حقيقة ذلك بالكتاب الذى آمنت به ؛ ليكون إيمانها فى الحقيقة إيمانا بمن كذبته بما ظنت أن فى ذلك الكتاب تصديقا. والمشركة احتيج فيها إلى ابتداء الإلزام ، لا أن كان معها ما به اللزوم مما قد وجد إيمانها به. والله أعلم. وعلى هذا لا يسلم للمرتد حق الكتاب إذا اختاره ؛ لأنا نعلم أنه يظهر ذلك ، لا أنه فى الحقيقة مختار ؛ إذ كتابنا مصدق كتابهم ، فلم يجز أن تظهر له بما به التصديق التكذيب ليرجع إلى رد هذا بقبول الآخر. فلذلك لم تحل ذبائحهم. والله أعلم.
ودليل النهى عن النكاح والإنكاح حتى يكون الإيمان ، [أن الإيمان](٤) معروف عندهم ، يعلمون به حقيقة الشرط. والله أعلم.
ومخاطبات الأولياء فى قوله : (وَلا تَنْكِحُوا) ، يخرج على الأمر المعروف من التولى ، أو على الوقت الذى إليهم حق التولية ، أو على أن الحق لهن عليهم فى التزويج إذا أردن ، فنهوا عن ذلك ؛ ليعلم أن لا حق يجب لهم فى ذلك. والله أعلم (٥).
__________________
(١) فى أ ، ط : اختيار.
(٢) فى ب : جهد.
(٣) سقط فى أ.
(٤) سقط فى أ.
(٥) فى أ : والله الموفق.