وقوله : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
يعنى : على أى جهة شئتم بعد أن يكون ذلك فى المزرع ، ولا بأس بالاعتزال عنها إذا أذنت ؛ لما ذكرنا أن الأمر بذلك أمر بطلب النسل ، لا قضاء الشهوة. فإذا كان كذلك فلها ألا تتحمل مشقة تربية الولد ، وأما الزوج فإنما عليه المؤنة ، وذلك مما ضمن الله لكل ذى روح بقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) [هود : ٦] ؛ لذلك نهى هو عن الاعتزال (١) دون إذنها ، ولم تنه هى عن الإذن عن ذلك. والله أعلم.
__________________
ـ فأما المرفوع فأخرجه ابن عدى ، وأما الموقوف : فأخرجه عبد الرزاق وابن أبى شيبة وعبد بن حميد والنسائى والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٧٢) ، والموقوف أصح قاله ابن كثير.
(١) العزل عن الزوجة والأمة : هو أن يجامع الرجل حليلته ، فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج ، وسبب ذلك إما العزوف عن علوق المرأة وتكوين حمل فى رحمها ، وإما أسباب صحية تعود إلى المرأة أو إلى الجنين أو إلى الطفل الرضيع.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز عزل السيد عن أمته مطلقا سواء أذنت بذلك أو لم تأذن ؛ لأن الوطء حقه لا غير ، وكذا إنجاب الولد وليس ذلك حقا لها.
واختلف الفقهاء فى الزوجة الحرة على رأيين :
الرأى الأول : الإباحة مطلقا أذنت الزوجة أو لم تأذن ، إلا أن تركه أفضل وهو الراجح عند الشافعية ؛ وذلك لأن حقها الاستمتاع دون الإنزال ، إلا أنه يستحب استئذانها.
الرأى الثانى : الإباحة بشرط إذنها ، فإن كان لغير حاجة كره ، وهو قول عمر وعلى وابن عمر وابن مسعود ومالك ، وهو الرأى الثانى للشافعية ، وبه قال الحنفية ، إلا أنهم استثنوا ما إذا فسد الزمان فأباحوه دون إذنها.
واستدل القائلون بالإباحة المطلقة بما روى عن جابر ـ رضى الله عنه ـ قال : «كنا نعزل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن ينزل» ، وفى رواية مسلم ، «كنا نعزل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبلغ ذلك النبى صلىاللهعليهوسلم فلم ينهانا».
واستدل القائلون بالإباحة بشرط الاستئذان بما روى الإمام أحمد فى مسنده ، وابن ماجه عن عمر ابن الخطاب ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها» ، وأخرج عبد الرزاق والبيهقى عن ابن عباس قال : «نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها» وأما أدلة الكراهة : إن كان العزل بدون عذر ؛ فلأنه وسيلة لتقليل النسل ، وقطع اللذة عن الموطوءة ؛ إذ قد حث النبى صلىاللهعليهوسلم على تعاطى أسباب الولد فقال : «تناكحوا تكثروا» ، وقال : «تزوجوا الودود الولود ؛ فإنى مكاثر بكم الأمم».
والعذر فى العزل يتحقق فى الأمور التالية :
ـ إذا كانت الموطوءة فى دار الحرب وتخشى على الولد الكفر.
ـ إذا كانت أمة ويخشى الزوج الرق على ولده.
ـ إذا كانت المرأة يمرضها الحمل أو يزيد فى مرضها.
ـ إذا خشى على الرضيع من الضعف.
ـ إذا فسد الزمان وخشى فساد ذريته.
ينظر : بلغة السالك (٢ / ٢٨٢) ، مغنى المحتاج (٢ / ٣٩٣) ، المبدع (٥ / ٣٣٧) ، ابن عابدين (٣ / ١٧٦) ، المغنى بأعلى الشرح الكبير (٨ / ١٣٤).