غيرهم](١) إذا اقتص ارتفع عنه العذاب الأليم ، وإن لم يقتص فلا.
وجائز عندنا : أن يكون العذاب الأليم فى الدنيا ، إذ لم يخلق شىء من العذاب أشد من القتل ؛ إذ القتل هو الغاية من الألم والوجع. والله أعلم.
وقوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
قيل : فيه بوجهين ، وإلا فظاهر القصاص لا يكون حياة ، لكن قيل (٢) : من تفكره فى نفسه قتلها إذا قتل آخر ارتدع عن قتله ، فتحيا النفسان جميعا.
والثانى : من نظر فرأى آخر يقتل بغيره امتنع عن قتل [آخر ففيه حياته أو تذكر أنه مقتص منه إذا قتل حمله حبه فى إحياء نفسه على أن يرتدع عن قتل](٣) كل ، ففيه الحياة للأنفس جميعا ؛ ولهذا نقول بوجوب القصاص فى الأنفس كلها وإن اختلفت أحوالها ، إذ لو لم يجعل بين الأنفس على اختلاف الأحوال قصاص لم يكن فى القصاص حياة. فأحق من يجعل فيه القصاص عند مختلف الأحوال لما يغضب الشريف على الوضيع فيحمله غضبه على قتله ، فجعل القصاص ، أو لما يستخف به.
وأما الوارث لما يطمع وصوله إلى مورثه فيحمله على قتله ، فسبب القتل ليس ما يذكر ، لكنه شدة الغضب (٤) ، وفى المواريث زيادة ، وهو ما يصل إلى ماله ، وفى الكافر من استخفافه بدينه (٥) من المقتول ، فطلب فيه المعنى الذى فيه الإحياء وهو حرمان الميراث ؛ فعلى هذا التقدير يقتل المسلم بالكافر ؛ لأن المسلم قد يستخف بالكافر فى دار سلمه ، فيحمله استخفافه إياه على قتله. ففيه معنى يدعو إلى الفناء ، فيجب أن يقتص من المسلم بالكافر لتحقيق معنى الحياة. وعلى هذا التقدير يقتل الحر بالعبد ؛ لأن الحر يستخف بالعبد ، فيدعوه استخفافه به على قتله ، فهو يقتل به.
أو نقول : يقتل الولد بالوالد لما يستعجل الوصول إلى ملكه ، فيحمله على قتله ؛ فلزم حفظ ما لأجله الحياة ، ثم فى الوالد شفقة ومحبة تمنع الوالد عن قتل ولده ؛ لذلك انتهى عنه القصاص ، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام : «لا يقاد الوالد بولده» (٦). وبالله التوفيق.
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٢٦٢٧ ، ٢٦٢٨) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد كما فى الدر المنثور (١ / ٣١٨).
(٣) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.
(٤) زاد فى ب : إلى.
(٥) فى أ : بذنبه.
(٦) أخرجه : الترمذى (٤ / ١٩) كتاب : الديات ، باب : الرجل يقتل ابنه هل يقاد منه أم لا؟ حديث ـ