وقوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
حرفان يخرجان على الوعيد : (سَمِيعٌ) بمقالتكم وأيمانكم ، (عَلِيمٌ) بإرادتكم فى حلفكم.
وقوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ فى قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) : إن كسب القلوب لا يكون عقدا ولا حنثا ، إنما هو تعمد الكذب.
كقوله : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥] فعلى ذلك أمر يمين اللغو والتعمد. وهذا يبين أن اليمين يكون فى موجود ، لا فيما يوجد ؛ إذ فيه وصف المآثم ، وفيما يكون لم يكسب قلبه ما يأثم فيه. فعلى ذلك أمر اللغو ؛ فهو فى الماضى ، ولا يأثم بالخطإ ، ويأثم فى غير اللغو بالتعمد.
ثم قال الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) [المائدة : ٨٩] ، وبين أن المؤاخذة تكون فى هذا بالكفارة وفى الأول بالمأثم ، وفى اللغو لا يؤاخذ بهما ، فلزم تسليم البيان لما جاء فى كل ذلك ، ثم جميع المؤاخذات فى كسب القلب بالمأثم ولزوم التوبة ؛ فكذا فى هذا.
وقد روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى أمر اللعان ، أنه قال : «إن أحدكما كاذب ، فهل منكما من تائب؟» (١) ومعلوم كذب أحدهما ولزوم التوبة ، مع ما فى تركه الوعيد الشديد من الغضب أو اللعن. ولو كانت فيه كفارة لكان لا سبيل إلى العلم بها إلا بالبيان ؛ فهى أحق أن يبين لو كانت واجبة ، دل ما لم يبين أنها غير واجبة على أنها تجب للحنث ، والحنث عقيب العقد يدفعه ، وكان هاهنا ملاقيا له ، فهو يمنعه على نحو جميع الحرمات التى تفسخ الأشياء ، فهى عند الابتداء تمنع. وليس ذلك كالطلاق ونحوه ؛ لما قد يكون بلا شرط ، واليمين لا يصح إلا به ولم يكن فأنفذ.
وقوله : (وَاللهُ). وقد يخرج مخرج الاستخفاف الحلف بالله كاذبا والجرأة على الله ، فيجىء أن يكون كفرا ، لو لا أن المؤمن يخطر بباله ما يحمله على ذلك دون قصد
__________________
(١) أخرجه البخارى (١٠ / ٥٧٤) كتاب الطلاق ، باب قول الإمام للمتلاعنين : إن أحدكما كاذب (٥٣١٢) ، ومسلم (٢ / ١١٣١ ـ ١١٣٢) كتاب اللعان (٥ / ١٤٩٣) ، وأبو داود (١ / ٦٨٦) كتاب الطلاق ، باب فى اللعان (٢٢٥٧) ، والنسائى (٦ / ١٧٧) كتاب الطلاق باب التفريق بين المتلاعنين.