__________________
ـ والحنفية والشافعية والحنابلة لا يوافقون المالكية على التوسع فى تفسير الغموس.
والإتيان باليمين الغموس حرام ، ومن الكبائر بلا خلاف ؛ لما فيه من الجرأة العظيمة على الله تعالى ، حتى قال الشيخ أبو منصور الماتريدى ما قاله كما بالمتن ؛ ثم إنه لا يلزم من كونها من الكبائر أن تكون جميعها مستوية فى الإثم ، فالكبائر تتفاوت درجاتها حسب تفاوت آثارها السيئة : فالحلف الذى يترتب عليه سفك دم البريء ، أو أكل المال بغير حق أو نحوهما ، أشد حرمة من الحلف الذى لا يترتب عليه شىء من ذلك.
وقد ثبت عن النبى صلىاللهعليهوسلم أحاديث كثيرة فى ذم اليمين الغموس وبيان أنها من الكبائر والترهيب من الإقدام عليها ، منها : ما روى عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقى الله وهو عليه غضبان» قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصداقه من كتاب الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) إلى آخر الآية. وعن وائل ابن حجر ـ رضى الله عنه ـ قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فقال الحضرمى : يا رسول الله ، إن هذا قد غلبنى على أرض كانت لأبى ، فقال الكندى : هى أرضى فى يدى أزرعها ليس له فيها حق ، فقال النبى صلىاللهعليهوسلم للحضرمى : «ألك بينة؟» قال : لا ، قال : «فلك يمينه». قال : يا رسول الله ، إن الرجل فاجر ، لا يبالى على ما حلف عليه ، وليس يتورع عن شىء فقال : «ليس لك منه إلا يمينه». فانطلق ليحلف ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أدبر : «لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض». وقال الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما رواه عنه عبد الله بن أنيس ـ رضى الله عنه ـ : «من أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، والذى نفسى بيده لا يحلف رجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت كيّا فى قلبه يوم القيامة». وعن جابر بن عتيك ـ رضى الله عنه ـ أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة» ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ، قال : «وإن كان قضيبا من أراك».
إن حرمة اليمين الغموس هى الأصل ، فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراما ، ويدل على هذا : أولا قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر فإباحته لليمين الغموس أولى. وثانيا آيات الاضطرار إلى أكل الميتة وما شاكلها ، كقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فإذا أباحت الضرورة تناول المحرمات أباحت النطق بما هو محرم.
وإليك نصوص بعض المذاهب فى بيان ما تخرج به اليمين الغموس عن الحرمة :
(أ) قال الدردير فى (أقرب المسالك وشرحه) ، والصاوى فى (حاشيته) ما خلاصته : لا يقع الطلاق على من أكره على الطلاق ولو ترك التورية مع معرفته بها ، ولا على من أكره على فعل ما علق عليه الطلاق. وندب أو وجب الحلف ليسلم الغير من القتل بحلفه وإن حنث هو ، وذلك فيما إذا قال ظالم : إن لم تطلق زوجتك ، أو إن لم تحلف بالطلاق قتلت فلانا ، قال ابن رشد : إن لم يحلف لم يكن عليه حرج ، أى : لا إثم عليه ولا ضمان ، ومثل الطلاق : النكاح والإقرار واليمين.
(ب) قال النووى : الكذب واجب إن كان المقصود واجبا ، فإذا اختفى مسلم من ظالم ، وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه ، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة ، وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها ، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهرا وجب ضمانها على ـ