__________________
ـ بقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أى : فى عدتهن أو فى الزمان الذى يصلح لعدتهن ، فاللام بمعنى (فى) ، ووجه الدلالة : أن الله ـ عزوجل ـ أمر بالطلاق فى الطهر ، لا فى الحيض لحرمته بالإجماع ؛ فيصرف الإذن إلى زمن الطهر ، ففيه دليل على أن القرء هو الطهر الذى يسمى عدة ، وتطلق فيه النساء.
ـ وبقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «مره فليراجعها ، ثم ليتركها حتى تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التى أمر الله عزوجل أن يطلّق لها النساء». فالرسول صلىاللهعليهوسلم أشار إلى الطهر وأخبر أنه العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء ؛ فصح أن القرء هو الطهر. كما أن العدة واجبة فرضا إثر الطلاق بلا مهلة فصح أنها الطهر المتصل بالطلاق ، لا الحيض الذى لا يتصل بالطلاق ، ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلق حائضا أن تعتد بتلك الحيضة قرءا ، ولكن لا يعتد بها.
ـ وبحديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : «إنما الأقراء الأطهار».
ـ ولأن القرء مشتق من الجمع ، فيقال : قرأت كذا فى كذا ، إذا جمعته فيه ، وإذا كان الأمر كذلك كان بالطهر أحق من الحيض ؛ لأن الطهر اجتماع الدم فى الرحم ، والحيض خروجه منه ، وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته ، ويجمع على : أقراء وقروء وأقرؤ.
القول الثانى : المراد بالقرء : الحيض ، وهو ما ذهب إليه جماعة من السلف كالخلفاء الأربعة وابن مسعود ـ رضى الله عنهم ـ وطائفة كثيرة من الصحابة والتابعين وبه قال أئمة الحديث والحنفية وأحمد فى رواية أخرى حيث نقل عنه أنه قال : كنت أقول : إنها الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض. وقال ابن القيم : إنه رجع إلى هذا ، واستقر مذهبه عليه فليس له مذهب سواه. واستدلوا على قولهم بالكتاب والسنة والمعقول.
ـ أما الكتاب فقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) فقد أمر الله تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء ، ولو حمل القرء على الطهر لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثالث ؛ لأن بقية الطهر الذى صادفه الطلاق محسوب من الأقراء عند القول الأول ، والثلاثة اسم لعدد مخصوص ، والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه ؛ فيكون ترك العمل بالكتاب ، ولو حمل على الحيض يكون الاعتداد بثلاث حيض كوامل ؛ لأن ما بقى من الطهر غير محسوب من العدة عندهم فيكون عملا بالكتاب ؛ فكان الحمل على ذلك أولى لموافقته لظاهر النص وهو أولى من مخالفته.
ـ وأما السنة فما روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «طلاق الأمة اثنتان ، وعدتها حيضتان» ، ومعلوم أنه لا تفاوت بين الحرة والأمة فى العدة فيما يقع به الانقضاء ؛ إذ الرق أثره فى تنقيص العدة التى تكون فى حق الحرة لا فى تغيير أصل العدة ، فدل على أن أصل ما تنقضى به العدة هو الحيض.
ولأن المعهود فى لسان الشرع استعمال القرء بمعنى الحيض ، قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «تدع الصلاة أيام أقرائها» ، وقال لفاطمة بنت أبى حبيش : «انظرى إذا أتى قرؤك فلا تصلى ، فإذا مرّ قرؤك فتطهرى ثم صلّى ما بين القرء إلى القرء» فهذا دليل على أنه لم يعهد فى لسان الشرع استعماله بمعنى الطهر فى موضع ، فوجب أن يحمل كلامه على المعهود فى لسانه.
وأما المعقول : فهو أن هذه العدة وجبت للتعرف على براءة الرحم ، والعلم ببراءة الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر ؛ فكان الاعتداد بالحيض لا بالطهر.
ينظر : المصباح المنير (القرء) الدسوقى (٢ / ٤٦٩) ، جواهر الإكليل (١ / ٣٨٥) ، الفواكه الدوانى (٢ / ٩١) ، روضة الطالبين (٨ / ٣٦٦) ، مغنى المحتاج (٣ / ٣٨٥) ، تفسير القرطبى (٣ / ١١٣) ، إعلام الموقعين (١ / ٢٥) ، المغنى لابن قدامة (٧ / ٤٢٥).