الخفاء ، والخاصة النجباء الذين يعلمون أنهم أئمة الخلق ، وعلى الاقتداء بهم حثت الأمة ، مع ما فى ذلك عدول عن الظاهر ، وقول بالذى لا يحتمل فهمه عنه ؛ ثبت أن كان ذلك منهم عن بيان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو عن دليل شهدوه أظهر المراد. ولا قوة إلا بالله.
على أن فى الآية ، لو كان فى تصريح جماع ، لكان يلزم ذلك بالخلوة لوجهين سوى ما ذكرت :
أحدهما : جرى أحكام الكتاب والسنة فى البدل لأشياء مقصودة اسما وتحقيقا يستوجب حق العرفاء بها بحق شرط الله القبض فى الرهن ، والقتال فى المغانم ، والإيتاء فى الأجور والمهور والخروج لأمر الهجرة وأمر رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، لما أسلما لأمر الله ، فعلى ذلك أمر [المهور والعدة فى الخلوة إذ هى سلمت نفسها لذلك ، وعلى ذلك أمر](١) الخروج من الأمانات بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨] ، ولو كان لا يخرج إلا بإدخال فى الأيدى فى الحقيقة ، لكان لا سبيل إلى القيام بما كلف الله تعالى. وعلى ذلك إجماع القول فى الإجارات إذا أمكن الانتفاع بها. والله أعلم.
والثانى : أن النساء لا يملكن من تسليم ما عليهن من الحق ، ومحال أن يلزمهن من الحق أكثر مما ذكر ، لكن الله تعالى وسعهن ؛ فثبت أن ليس عليهن غير الذى فعلن ، فاستوجبن ما لهن ، وعلى ذلك قوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] والله أعلم.
ثم قد أجمع على وجوب المهر فى موت أحدهما ، وأن الموت لا يسقطه ، وإن لم يكن ثم دخول. فهو ـ والله أعلم ـ أن المقصود بالنكاح الملك وقيام الزوجية إلى موت أحدهما ، وإن كان ذلك الاستمتاع وقد وجد تمامه. وقد بينا أن المهر للملك ، لا لنفس الاستمتاع ، فوجب كماله وإن مات أحدهما ، لما بلغ الملك نهايته.
وعلى هذا يخرج قولنا فيما لم يسم لها المهر ؛ إذ مهر المثل إنما هو بدل الملك. دليله : أنه يوجب لها المطالبة به عند قيامه وإن لم يسم به.
وأصله : ما بينا من تعلق هذا الملك بالبدل حكما ، وإن لم يكن تعلق به شرطا ، وقد وجد ثم.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط فى ط.