تزويج المملوكة وبخاصة على قول من لا يبيح إلا بالضرورة ، فمن رأى يضطر إلى حبة يتوق إلى الاستمتاع فضلا من أن يتخير ، ثم على ذلك قال فى الإماء : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) والحبة معلوم أنها أنكر من المنكر ؛ فثبت أن مهر الحرائر بيّن ويظهر فى أهل الحاجة ، وأن القول بجعل الحبة مهرا تامّا ووصف ملكها بملك الطول قولا مهجورا ، لا معنى له. وبعد فإن الناس قد أجمعوا على أنها لا تملك (المعروف) ببضعها ، والبدل للزوج بلا بدل يلزمه ، فصار كمتولى العقد على ما ليس لها ، وحظ القليل فى مثله والكثير فى المنع واحد. فقياس ذلك ألا يكون الحط من مهر مثلها ، والحبة لا تكون مهر مثل أخبث امرأة فى العالم ، فلا يجىء أن يجوز الحط ولكن أجيز العشرة بالاتفاق ، ولم يجز الأكثر للتنازع ، وقد بينا الفساد من طريق التدبير. والله أعلم.
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)
قيل (١) : المرأة.
وقوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ).
اختلف أهل التأويل فيه :
قال على وابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنهما هو : الزوج ـ وقال قوم : هو الولى. وأمكن أن يكون قول من قال بأنه الولى ؛ لما أن المهور فى الابتداء كانت للأولياء.
دليل ذلك قول شعيب لموسى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) [القصص : ٢٧] شرط المهر لنفسه ، وكما روى من الشغار ، ثم نسخ من بعد وصار ذلك للنساء بقوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) [البقرة : ٢٢٩] ، وقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) [النساء] ، وقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [النساء : ٢٠] ، ولأنهم أجمعوا على ألا يجوز لأحد المعروف فى ملك الآخر إلا بإذنه ؛ فعلى ذلك لما ثبت أن المهر لها لا يجوز للولى المعروف فيه.
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) ، يعنى المرأة تترك النصف ولا تأخذ منه شيئا. وقوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، يعنى الزوج يجعل لها كل الصداق ، يقول : كانت فى
__________________
(١) قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد والربيع وغيرهم ، أخرجه ابن جرير عنهم (٥٢٥٥ ، ٥٢٥٦ ، ٥٢٥٧ ، ٥٢٥٨ ، ٥٢٦٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٢١).
(٢) أخرجه ابن جرير (٥٣٠٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٢١).