وقوله : (رُكْباناً) على ما عرف عن الركوب ، وهو فى حال السير ، ولم نر الصلاة تقوم مع المشى فيها.
فإن قيل : صلاة الخوف فيها مشى ، فقامت.
قيل : إن المشى ليس فى فعل الصلاة ؛ لأنهم فى الوقت الذى يمشون لا يفعلون فعل الصلاة ، وهو كما يقال : إن الصلاة لا تقوم مع الحدث ، فإذا أحدث فيها فذهب ليتوضأ ، ليس هو فى وقت الحدث مصليا ، وإن بقى فى حكم الصلاة. فعلى ذلك المشى فى صلاة ، ليس هو فى فعل الصلاة ، وإن كان باقيا على حكم الصلاة ؛ والله أعلم.
وقوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
يحتمل : قوله (كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وقوله (فَاذْكُرُوا) يحتمل : أن يصرف إلى الصلاة ، أى : صلوا كما علمكم أن تصلوا فى حال الأمر.
ويحتمل : أن يصرف إلى غيره من الأذكار ، كقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت : ٤٥].
ويحتمل : أن يصرف إلى الشكر ، أى : اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم ، واشكروها بى ، كقوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢]. والله أعلم.
وفى قوله : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [الفلق : ٥] ، وقوله : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ٢] ، و (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ، دليل أن الله تعالى صنع فى فعل العباد حيث أضاف التعليم إلى نفسه ، وهو أن خلق فعل التعليم منه ؛ إذ لو لم يكن منه فيه صنع لكان أضيف ذلك المعلم دون البيان ؛ فدل إضافته إليه على أن له فيه فعلا. نعوذ بالله من السرف فى القول والزيغ عن الهدى.
قال الشيخ ، رحمهالله تعالى ، فى قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ). أى : صلوا له كما علمكم من الصلاة فى حال الأمن ، إذ معلوم تقدم الأمر بالصلاة وتعليم حدودها. (وَقُومُوا) فى الرخصة فى التخفيف بحال العذر.
ويحتمل : اذكروا الله بشكر أنما أمنكم كما علمكم من الشكر له فى النعم ، وأى ذلك كان فهو الذى علمهم (١) بعد أن كانوا غير عالمين به. والله أعلم. ودل إضافة التعليم فى هذه الآية (٢) ، وكذلك فى قوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٤] ، وقوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) [يس : ٦٩] ، إليه على وجود الأسباب من الله تعالى له فى الأمرين على أن كان من الله تعالى فى أحد الأمرين ما ليس منه فى الآخر ، ومعنى الأسباب فيهما واحد ؛ ثبت
__________________
(١) فى أ : علمتم.
(٢) فى أ : هذا إليه.