أجروه على ألسنتهم من غير تحقيق ، لئلا يستوجبوا العذاب بتركهم ذلك إذا أجيبوا وأعطوا ما سألوا وتمنوا ؛ لما عرف من شدة القتال مع العدو والجهاد فى سبيل الله ، وكراهية ذلك فى كل قوم إلى أن بينوا أنهم عن حق سألوا لما تبينوا العلة التى حملتهم على ذلك ، وغاية رغبتهم فيها ، وما لأجله كان السؤال ، إن قالوا : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) من القتل ، وأخذ الأموال وسبى الذرارى.
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) ، أى : فرض ، (تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ، فيه دلالة على أنه قد كان فيهم ما كان فى هذه من قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢] ، من كراهية القتال والجهاد فى سبيل الله.
وقيل : (تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرا لم يتولوا عما سألوا. ثم قال لهم نبيهم.
قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً).
قيل : سمى «طالوتا» لطوله وقوته.
وقوله : (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ).
يتوجه مثل هذا الكلام وجهين :
أحدهما : على الإنكار ، فلا يحمل على الإنكار ؛ لأنه كفر.
والثانى : على الاسترشاد وطلب العلم لهم منه فى ذلك عن جهة جعله له ملكا ، لما قد عرفوا أن لا يستوجب الملك ، ولا يولى إلا أحد رجلين : إما بالوراثة من (١) الآباء ، أو بالسعة فى المال ، لذلك قالوا : (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) ، لأنهم كانوا أبناء الملوك وأرباب الأموال.
ثم بين لهم عزوجل أن جهة الاختيار ليس إليهم ، وأن سبب الملك ليس ما ذكرنا دون غيره ، بل الله عزوجل يختار من يشاء لذلك بأسباب سوى ما ذكروا بفضل علم وبفضل قوة ، حيث قال :
(قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ).
قرر عندهم أن الملك يحتاج إلى فضل علم وفضل قوة.
__________________
(١) فى أ : بالوارث عن.