وقوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، و (مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) هو ابتداء نشوئهم عليه ، ليس أن كانوا فيه ثم أخرجهم ، كقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) [الرعد : ٢] ، رفعها ابتداء ، ليس أن كانت موضوعة ثم رفعها. فعلى ذلك الأول.
والآية تنقض على المعتزلة قولهم ؛ إذ من قولهم : إن جميع ما أعطى مؤمن من الإخراج من الكفر ، أعطى مثله الكافر ؛ فكأنهم يقولون : أخرجهم جميعا من الظلمة ، وعليه إخراج الكفار أيضا من الظلمات ، إذ ذلك هو الأصلح له ، وعليه أن يعطى ما هو الأصلح لهم فى الدين. فإذا كان هذا قولهم ، فهو ولى الكفرة والمؤمنين جميعا على قولهم ؛ إذ هو بالسبب الذى ذكر الولاية للمؤمنين فيعطى أيضا للكفرة.
فإن قالوا : إنه أضاف (الكفر) إلى الطاغوت ، وأنتم تضيفونه إلى الله عزوجل؟
قيل : هو ظاهر الكذب ؛ لأنا لا نضيف ذلك إليه (الكفر). إنما نقول : إنه خلق فعل الكفر من الكافر كفرا ، وخلق فعل النور من المؤمن نورا. على أنه إن كان هذا فى الكفرة فما القول فى [الأول](١) من قولكم : إنه منعم على المؤمن ، ثم لا نعمة فيه على المؤمن إلا بالأمر والأقدار ، والأقدار منه موجود للكافر فى كفره على قولكم ، ثم لا نعمة تقع فى الأمر والدعاء للمؤمن إلا ويقع مثله للكافر ، إذ هو فى الأمر والدعاء كالمؤمن سواء. ولا قوة إلا بالله.
وليس فى القول : إنه خالق ، بأنه خالق فعل كل أحد على ما عليه إضافة الكفر إليه ، بل إنما يضيف الخير إليه بما منه فيه من الإفضال على الشكر له. فدل أن له عزوجل فى المؤمن فضل صنع ، ليس ذلك له فى الكافر.
و (الكفر) فى اللغة الستر ، وكذلك (الظلمة) : هى الستر. يقال : (كفرت الشىء) أى سترته ، وكذلك يقال : (ليل مظلم) ؛ لأنه يستر ضوء النهار ونوره ، فيستر الأشياء عن أبصار الخلق (٢).
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ فى قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ..). الآية : دلت هذه الآية على أن كان من الله إلى الذين آمنوا معنى لم يكن منه إلى الذين كفروا به كان إيمانهم ، ولو لم يكن إلا الأمر والأقدار أو البيان ، على ما قالت المعتزلة ، لكان كل ذلك عندهم إلى الكفرة ، فلا وجه لتخصيص المؤمنين بما ذكر ،
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) زاد فى ط : وكذلك الكفر يستر به أدرار حقائق الإيمان عن أبصار القلوب.