بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، لقول قوم حيث قالوا : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] ، وإلا لكان فى الإيمان بالله إيمان بجميع ذلك.
وقوله تعالى : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا لا انفصام لذلك العقد ولا انقطاع ، لا تقوم الحجة ببعضه (١).
ويحتمل : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، بنصره إياه بالحجج والبراهين النيرة التى من اعتصم بها لا انفصال بها عنه ولا زوال.
ثم فيه نقض على المعتزلة ؛ لأنه أخبر عزوجل أن من آمن بالله فقد استمسك بكذا. والمعتزلة يقولون : صاحب الكبيرة يخلد فى النار ، وهو مؤمن بالله ، فأية عروة أوهى من هذا على قولهم؟ وأن له زوالا وانقطاعا من ثوابه الذى وعد له عزوجل بإيمانه وتصديقه به. وبالله العصمة.
وقوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ) لقولهم ، (عَلِيمٌ) بثوابهم.
أو (سَمِيعٌ) ، بإيمانهم ، (عَلِيمٌ) ، بجزاء إيمانهم. والله أعلم.
وقوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا).
قيل : الولى : الحافظ.
وقيل (٢) : الولى : الناصر ، وهو ناصر المؤمنين وحافظهم.
وقيل : سمى وليّا لأنه يلى أمور الخلق من النصر والحفظ والرزق وغيره. وعلى ذلك يسمى الولى وليّا لما يلى أمور الناس.
وقيل : قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) ، أى : الله أولى بهم إليه رجاؤهم أطعمهم ، وهو الذى يكرمهم ، وأن الطاغوت أولى بالكافرين ، كما قال : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [محمد : ١٢] ، أى أولى بهم. والله أعلم.
وقوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ).
وقوله : (يُخْرِجُهُمْ) ، بمعنى : أخرجهم. وجائز هذا فى اللغة (يفعل) بمعنى (فعل) ، و (فعل) بمعنى (يفعل) ، جاز فيها ، غير ممتنع عنه.
__________________
(١) فى ط : ببغضه.
(٢) قاله ابن جرير (٣ / ٢٣) ، والبغوى (١ / ٢٤١).