وقال غيرهم : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) هى الفريضة ، (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) هى التطوع.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : لا يحتمل الإخفاء فى التطوع ، والإبداء فى الفرض ؛ لما أخبر فى الإخفاء أنه خير ، ولا يكون التطوع خيرا من الفريضة. ومن حمله على الفريضة يستحب أن يظهروا الزكاة المفروضة ليقتدوا به ويرغبوا الناس عليها. ومنهم من يستحب الإخفاء أيضا ، ويقولون : فى الإبداء شيئان : الصدقة نفسها ، والاقتداء ، وفى الإخفاء وجوه :
أحدها : الصدقة.
والآخر : ترك المراءاة وسلامتها.
والثالث : الكف عن المن والأذى.
ومنهم من حمل قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) على الفريضة ، و (وَإِنْ تُخْفُوها) على التطوع ، وذهب إلى أن الفريضة ليس فيها الرياء ؛ لأنه لا شىء عليه ، فسواء فيها الإبداء والإخفاء ، وأما التطوع ففيه الرياء ؛ لأنه معروف ليس عليه ، والإخفاء له أسلم. والله أعلم.
وقال ابن عباس (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ فى قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ..). الآية ، جعل الله ـ تعالى ـ صدقة (٢) السر فى التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا ، وكذلك جميع الفرائض والنوافل فى الأشياء كلها.
وفى بعض الأخبار عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «صدقة السر تطفئ غضب الرب ، وصنائع المعروف تقى (٣) مصارع السوء ، وصلة الرحم تزيد فى العمر» (٤).
وعن الحسن ، قال : الإبقاء على العمل أشد من العمل ؛ وذلك أن العبد ليعمل العمل سرّا فيكتب له عمل السر ، فلا يزال به الشيطان حتى ينسخ من عمل السر إلى عمل العلانية ، ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يحمد ، حتى يكتب من عمل العلانية فى الرياء.
__________________
(١) تقدم.
(٢) فى أ ، ط : كلمة.
(٣) فى أ ، ب : تدفع.
(٤) تقدم.