أعلم.
والثانى : أنه لا يلزم القضاء بعد الإسلام ، ولا يجوز الابتداء فى حاله. فكان ذا تكليف لم يجعل الله للمكلف وجه القيام ، وقد تبرأ الله عن هذا الوجه من التكليف بقوله عزوجل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، مع ما بين الله تعالى بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) [البقرة : ١٢٦] أن ما للكافر التمتع فى الدنيا ، لا العبادات فى ذلك. والله الموفق.
فثبت بالآية التى ذكرنا جميع المؤمنين فى الخطاب ؛ إذ بين الرخصة لذى (١) العذر فى الإفطار على وجوب القضاء فإذ لم يحتمل خروج من له العذر فى الفطر عن أن يتضمنه الخطاب وجه ألزم القضاء ، ثبت أن من لا عذر له داخل فيه ولا يسعه الفطر ، وعلى هذا جاء ممن ابتلى بالجماع نهارا أنه صلىاللهعليهوسلم أكد عليه الأمر وألزم الكفارة (٢) على غير سؤال عن أحوال سوى ما علم من حاله أنه ليس بمريض ولا مسافر ، فكان فى ذلك دليل تأكيد الفرض ، وفى ذلك إيجاب الكفارة لتعديه على الصيام على حال لا يحتمل الإرخاص ، إذ قد كان تلك البلية فى الليالى ، فلم يؤمروا بها من حيث كانوا يملكون إبقاء الرخصة لأنفسهم لو لا النوم ، وفى ذلك أن فرض الصيام يعم المؤمنين.
ثم قال الله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
والشهر اسم للكل ، ولو كان المراد راجعا إليه لكان الصيام فى غيره ؛ لأنه عند هجوم غيره يتم شهوده ، ثم يتناقض ؛ لأنه قال : (فَلْيَصُمْهُ) ، ومحال أن يصوم فى غيره ابتداء ؛ فرجع التأويل إلى أن من شهد منكم شيئا من الشهر (فَلْيَصُمْهُ). فمن اعترضه الجنون (٣)
__________________
(١) فى ط : الذى له.
(٢) هذا ثابت من حديث أبى هريرة :
أخرجه البخارى (٤ / ١٦٣) كتاب : الصوم ، باب : إذا جامع فى رمضان ولم يكن له شىء فتصدق عليه فليكفر ، حديث (١٩٣٦) ، ومسلم (٢ / ٧٨١ ، ٧٨٢) كتاب : الصيام ، باب : تغليظ تحريم الجماع فى نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها ... إلخ ، حديث (٨١ / ١١١١) ، ومالك (١ / ٢٩٦) كتاب : الصيام ، باب : كفارة من أفطر فى رمضان ، حديث (٢٨) ، وأبو داود (١ / ٧٢٧) كتاب : الصيام ، باب : كفارة من أتى أهله فى شهر رمضان ، حديث (٢٣٩٠) ، والترمذى (٣ / ١٠٢) كتاب : الصوم ، باب : ما جاء فى كفارة الفطر فى رمضان ، حديث (٧٢٤) ، وابن ماجه (١ / ٥٣٤) كتاب : الصيام ، باب : ما جاء فى كفارة من أفطر يوما من رمضان (١٦٧١) ، والدارمى (١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤) ، وأحمد (٢ / ٢٠٨ ، ٢٤١ ، ٢٨١).
(٣) اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصيام من الليل ، ثم طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر : فإن لم يفق إلا بعد غروب الشمس ، فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة صومه ؛ لأن الصوم هو الإمساك مع النية ، لقول النبى صلىاللهعليهوسلم : قال الله : «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لى وأنا أجزى ـ