__________________
ـ والأعمال خارجة عن مسمى الإيمان».
ولقد نحا متأخرو الأشاعرة هذا المنحى في تفسير معنى الإيمان.
يقول الإيجى : «الإيمان تصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما علم مجيئه به ضرورة ـ أي : فيما اشتهر كونه من الدين ـ فتفصيلا فيما علم تفصيلا ، وإجمالا فيما علم إجمالا».
وأما الماتريدية فإنهم يرون أن الإيمان هو : «تصديق بالقلب وإقرار باللسان» ، فهم لم يحصروا حقيقته في التصديق فقط مثلما قال الأشاعرة ، لكنهم ـ أي الماتريدية ـ يشترطون الإقرار مع التصديق ، ولا يكفي الإقرار وحده في صحة الإيمان عند الماتريدية ، وإلا للزم الحكم بإيمان المنافقين ، وكذلك فالتصديق وحده على حد قول الماتريدية ليس يكفي في صحة الإيمان وإلا للزم الحكم على أهل الكتاب كلهم بالإيمان.
ولقد ذهب الماتريدية في ذلك مثلما ذهب أبو حنيفة ؛ إذ قال : «الإيمان إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان ، والإقرار وحده لا يكون إيمانا ؛ لأنه لو كان إيمانا لكان المنافقون كلهم مؤمنين ، وكذلك المعرفة وحدها.
وبهذا لا يكون مجرد التصديق إيمانا ؛ إذ لو كان كذلك لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين ، ولقد قال الله ـ عزوجل ـ في شأن المنافقين : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)[المنافقون : ١] ، أي : لا تصديق لهم لكذبهم في دعواهم ، وقال الله ـ سبحانه ـ كذلك : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)[البقرة : ١٤٦] وبهذا يتضح أن مجرد الإقرار ليس يكفي ، وكذلك التصديق فإنه ليس يكفي ، إذن لا بد أن يكون كل منهما منضما إلى الآخر.
لكن سؤالا مهمّا يجب طرحه هنا في خصوص ما قال به الإمام أبو حنيفة وهو :
إذا كان الإمام أبو حنيفة قد قال بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان ، فهل يعني هذا أنه قد جعل الإقرار شرطا للإيمان أو ـ على الأقل ـ ركنا له؟
وما ذا نقول مثلا ـ تبعا لما يقول به الإمام أبو حنيفة ـ في قوم صدقوا بقلوبهم وأقروا بخلاف الذين صدقوا به ، مع أن القرآن قد أيدهم ، فقال الله ـ جل وعزّ ـ : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)[النحل : ١٠٦].
والإمام أبو حنيفة يقول : بأن الإقرار وإن كان شرطا إلا أنه قد يحتم سقوطه مع صحة إيمان صاحبه ، وهذا في حالة الإكراه ، مثلما كان المشركون يفعلون مع بعض الصحابة الذين نزلت فيهم الآية السابقة. وبهذا يكون التصديق على مراتب ثلاث :
الأولى : الذي يصدق بقلبه ويقر بلسانه ، فهذا يكون مؤمنا عند الله وعند الناس.
الثانية : الذي يصدق بقلبه ويكذب بلسانه ، فهذا نوع قد اضطرته أحواله وظروفه ، وهو ما نزلت فيه الآية السابقة.
الثالثة : الذي يصدق بلسانه ويكذب بقلبه ، وهذا هو المنافق ، ولقد قال الله ـ تعالى ـ في هذا النوع : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ..). [المنافقون : ١].
ومما سبق يتضح مما قاله الإمام أبو حنيفة أنه رغم جعله الإقرار باللسان ركنا ـ أو شرطا على الأقل ـ في الإيمان ، إلا أنه قد جعله ركنا زائدا غير أصيل ، ومجرد شرط لإجراء الأحكام في دار الدنيا. ويوضح هذا ما قاله الإمام ابن الهمام الحنفي : «الإيمان تصديق بالقلب واللسان ، ويعبر عنه بأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان ، وهو منقول عن أبي حنيفة ومشهور عن بعض أصحابه».
والذي قال به الإمام أبو حنيفة وعرضه الإمام ابن الهمام كان مذهب متقدمي الماتريدية ومتأخريهم ، ويؤيد هذا ما قاله أبو اليسر البزدوي الذي يعد من متأخري الماتريدية حيث يقول : ـ