فانصره ، واجعل الغلبة والهزيمة على الآخر» (١) ، فاستجيبت ؛ فكانت الغلبة والهزيمة عليهم ؛ فكان آية.
والرابع : ما أعان الملائكة المسلمين ، وبعثهم الله ـ عزوجل ـ مددا لنصرة المؤمنين على الكافرين يوم بدر ؛ فذلك آية.
ووجه آخر : ما ذكرنا أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا خرجوا شبه العير (٢) بغير سلاح ، غير مستعدين للقتال على علم منهم بذلك ، وأولئك خرجوا مستعدين لذلك ، فكان ما ذكر ، والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : في ذكر القليل في الأعين من الجانبين آية عظيمة ؛ إذ هي حسّية ، والحواس تؤدي عن المحسوسات حقائقها ، فجعلها الله بحيث لا تؤدي ؛ لما قال : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [الأنفال : ٤٢] ؛ فيحتمل أن يكون المراد مما ذكر من الآية في أمر الفئتين ـ هذا ، والله أعلم (٣).
وقوله : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).
وفي بعض القراءات : «ترونهم» بالتاء (٤) : يرى المؤمنون أولئك مثلي أنفسهم لا أكثر ، وهم كانوا ثلاثة أمثالهم ، على ما روي في القصة (٥) ؛ وهذا لما جعل الحق عليهم قيام الواحد من المسلمين بالاثنين منهم ، مع ضعفهم ؛ لجهدهم في العبادات ، وبلوغهم الغاية من احتمال الشدائد والمشقات.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٥ / ٤٣١) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٣٥٠) كتاب التفسير : باب قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) [الأنفال : ١٩] ، (١١٢٠١) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٣٢٨) ، والبيهقي في الدلائل (٣ / ٧٤) من طرق عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : كان المستفتح يوم بدر أبو جهل ، وإنه قال حين التقى القوم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وآتى لما لا نعرف فاحنه الغداة ، وكان ذلك استفتاحه ، فأنزل الله (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. واحنه : أهلكه.
(٢) العير ـ بالكسر ـ : القافلة أو العير : الإبل التي تحمل الطعام. ينظر : تاج العروس (١٣ / ١٧٥) (عير).
(٣) في ب : الموفق.
(٤) قرأ نافع ويعقوب وسهل : «ترونهم» بالتاء على الخطاب ، وقرأ باقي السبعة بالياء على الغيبة ، وقرأ ابن عباس وطلحة «ترونهم» بضم التاء على الخطاب. راجع : البحر المحيط لأبي حيان (١ / ٤١١) السبعة لابن مجاهد (ص : ٢٠١) ، الحجة لابن خالويه (ص : ١٥٤) ، إتحاف فضلاء البشر للبنا (١ / ٤٧٠).
(٥) قاله الربيع بن أنس ولفظه بعد أن ذكر الآية : «كان ذلك يوم بدر ، وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا ، وكان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا».
أخرجه الطبري (٦ / ٢٣٧) ، رقم (٦٦٨٨) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٩٨) ، رقم (١٦٦).