أطلعهم عليها ؛ ليكون آية لهم ، والله أعلم.
ومنها العقليات : وهي التي تعرف بالمحن ، والبحث عنها مما بها يوصل إلى معرفة التوحيد والرسالة ونحوها ، ثم قد جعلها كلها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمن يكفر بها يخرج على وجهين :
أحدهما : على الكفران بحقيقة الآيات ؛ أن يكون هن آيات لما أقيمت له ، وهن من الوجوه التي ذكرت ، فقضى الله ـ تعالى ـ لمن يكفر بها بما ذكرت ؛ لتعنتهم ومعاندتهم ، والله أعلم.
والثاني : أن يريد بالكفر بالآيات : الكفر بمن له الآيات ؛ فنسب إلى الآيات ؛ لما بها تعلم الحقيقة ، كما تنسب الأشياء إلى أسبابها التي بها يوصل إليها ، فذلك معنى الكفر بالآيات ، ثم كانت الكتب السماوية ، وما فيها من النعوت ، وما أعجزهم عن إتيان مثل القرآن ، وغير ذلك من الحسّيات ، والله أعلم.
فعلى ما ذكرنا يخرج معنى الكفر بالآيات ؛ لأنها بحيث يأخذها الحواس ، ويحيط بها الأوهام والعقول ؛ ولكن على أنهن آيات للذي دلّكم عليه ، أو على الكفر بالذي له آيات توجب تحقيقه ، والله أعلم (١).
وقوله : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ)
وقال في ذلك الكتاب : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] ، وقد ارتاب فيها أكثر أهل الأرض ؛ قيل : قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله ، لا على نفي الشك عن كل من سمعه ؛ إرادة التأكيد ؛ فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه ؛ إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم ؛ وكذلك قولهم أبدا على دوامه وامتداده ، لا على حقيقة الأبدية ؛ وكذلك يقولون : (هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [الأحقاف : ١١] ، وأمر قديم : لا على حقيقة القدم ؛ التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن ، والله الموفق.
والثاني : على أنه لا يرتاب فيه المتأمّل المنصف بما جعل الله لذلك من الآيات ، وعليه من الأدلة التي من تدبر فيها ـ أظهرته له ، حتى يصير كالمعاين ، ولا قوة إلا بالله.
والثالث : أن يخبر به رسوله صلىاللهعليهوسلم عن قوم مخصوصين مما كانوا ينازعون فيه ، بعد علمهم بصدقه ؛ ليعرف به تعنتهم ، ويؤيسه عن الطمع فيهم ، ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
__________________
(١) في ب : الموفق.