من الباطن (١) ؛ إلا بدليل على ما صرفت أشياء كثيرة عن حقائقها بالعرف ؛ من نحو : الإيمان ، وغيرها (٢).
وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يحتمل وجوها :
يحتمل : أعمالهم التي فعلوا ؛ قبل أن يبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما بعث كفروا به ، فبطلت تلك الأعمال.
ويحتمل : ما كان لهم من الأعمال : من صلة المحارم ، والقربات (٣) ، والصدقات ، فبطلت لما لا قوام لها إلا بالإيمان ، فلما لم يأتوا به ـ بطلت.
وقوله : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) : أمّا في الآخرة : فثوابها ، وأمّا في الدنيا : فحمدها وثناؤها (٤).
ويحتمل في الدنيا : ثواب الدنيا ؛ كقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [النساء : ١٣٤] ، والله أعلم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) : فالآيات أعلام وحجج ، وهنّ (٥) أنواع :
منها حسّيات ، نحو : الخلائق ؛ في الدلالة على وحدانية الله تعالى. والخارجة منها عن احتمال وسع البشر يظهر عند أداء الرسل الرسالة ، يشهد على أن الذي أرسلهم هو الذي تولاها ؛ ليعلم بها محجة ويوضح بها رسالتهم.
ومنها : السمعيات : وهي التي جاءت بها الرسل من الأنباء ؛ عما لا سبيل إلى الوقوف عليها ، إلا بالتعلم بلا تقدم تعليم ، أو ما لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله ؛ ليعلم أن الله هو الذي
__________________
ـ السماع من غير تأمل.
ينظر : لسان العرب (٤ / ٢٧٦٧) (ظهر) ، ميزان الأصول للسمرقندي (١ / ٥٠٥).
(١) جمع بواطن والباطن : ما احتيج إلى تفسيره. انظر : لسان العرب (١ / ٣٠٤) (بطن).
(٢) تنقسم الحقيقة الشرعية إلى أقسام أربعة :
الأول : أن يكون اللفظ والمعنى معلومين لأهل اللغة ، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى. الثاني : أن يكونا غير معلومين لهم. الثالث : أن يكون اللفظ معلوما لهم ، والمعنى غير معلوم. الرابع : عكسه والمنقولة الشرعية أخص من الحقيقة الشرعية ، ثم من المنقولة ما نقل إلى الدين وأصوله كالإيمان والإسلام والكفر والفسق وتخص بالدينية ، وما نقل إلى فروعه كالصلاة والزكاة وتختص بالفرعية ، وقال الصفي الهندى : وهذه الأقسام الأربعة الأشبه وقوعها.
ينظر : البحر المحيط للزركشي (٢ / ١٥٨ ، ١٥٩).
(٣) في ب : والقرابات.
(٤) ينظر : تفسير الرازي (٧ / ١٨٧) ، تفسير البغوي (١ / ٢٨٨).
(٥) في ب : وهي.