وقيل : جاء أنهم كانوا يقتلون ألف نبي كل يوم (١) ، قال [الشيخ] : لا أعرف هذا ، فإن صح فهو على أنهم تمنوا ذلك ، أو قتلوا نبيّا وأنصاره ، فسمّوا أنبياء ؛ لما كان ينبئ بعضهم بعضا (٢) ، والله أعلم.
وقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) : لو كان أراد آباءهم كيف يأمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بالبشارة وهم موتى؟! دل هذا على أن التأويل هو الأوّل : أنهم (٣) هموا بقتلهم ، أو رضوا بصنع آبائهم ، والله أعلم.
والبشارة المطلقة إنما تستعمل في السّرور والخيرات خاصّة ، إلا أن تكون مقيّدة ؛ فحينئذ تجوز في غيرها ؛ كقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) قيدها هنا ؛ لذلك قال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ : أن ليست الحقائق (٤) أولى من المجاز (٥) ، ولا الظاهر (٦) أولى
__________________
(١) المعروف أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا في ساعة واحدة.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٢ / ١٦١) (٢٧٦) والطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٨٥) (٦٧٨٠) من حديث أبي عبيدة بن الجراح ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٣) وعزاه لهما.
(٢) قال القاسمي : وقوله تعالى : (بِغَيْرِ حَقٍّ) إشارة إلى أن قتلهم للأنبياء كان بغير حق في اعتقادهم أيضا ؛ فهو أبلغ في التشنيع عليهم.
ينظر : محاسن التأويل (٤ / ٧٣).
(٣) في ب : أن.
(٤) الحقائق : جمع حقيقة ، والحقيقة في اللغة : حقّ الشيء : إذا وجب ، واشتقاقه من الشيء المحقق وهو المحكم. وحقه يحقه حقّا : غلبه.
أما في الاصطلاح : فقد عرفها عبد القاهر الجرجاني بأنها : كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع وقوعا لا يستند فيه إلى غيره ، أي : الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم ولا تأخير ، كقول القائل : أحمد الله على نعمه وإحسانه. وعرفها الرازي بأنها : كل لفظ أفيد به ما وضع له في أصل الاصطلاح الذي وقع به التخاطب ، لعلاقة بينه وبين الأول.
ينظر : لسان العرب (٢ / ٩٤٠) ، (حقق) ، أسرار البلاغة في علم البيان للجرجاني ، (ص ٢٨٠) ، والمحصول للرازي (١ / ق ٣ / ٣٩٧) ، وميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه للسمرقندي (١ / ٥٢٩١).
(٥) المجاز مأخوذ من جاز يجوز : إذا استن ماضيا. يقال : جاز فلان ، وهو الأصل. يقال : جزت مكان كذا ، أي : عبرته.
وفي الاصطلاح : المجاز : هو اللفظ المستعمل في إفادة معنى غير ما وضع له ؛ لكونه مشابها للمتعدى عن المكان في كونه منتقلا عن موضوعه الأصلي. وقيل في تعريفه كذلك بأنه : كل لفظ أفيد به معنى مصطلح عليه غير ما كان في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به.
ينظر : لسان العرب (١ / ٧٢٤) (جوز) ، أسرار البلاغة في علم البيان للجرجاني ، (ص ٢٨٠) ، المحصول للرازي (١ / ق ٣ / ٣٩٧) ، ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه ، للسمرقندى (١ / ٥٢٩).
(٦) أراد بالظاهر : ما ظهر بيانه ، والظاهر ـ لغة ـ : مشتق من الظهور ، وهو الوضوح والانكشاف.
واصطلاحا : هو اللفظ الذي انكشف معناه اللغوي ، واتضح للسامع من أهل اللسان بمجرد ـ