وعن عبد الله بن عمر ، رضى الله تعالى عنهما ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من مات من طعام أو شراب وهو يقدر فله النار» وبالله المعونة.
وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ).
قال قائلون : يطيقون الفداء. وذلك فى الأمر الأول فى المسافر والمريض أن له أن يقضى فى أيام أخر ، وأن يفدى. وفيه : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ، أى : أن تقضوا الصيام ـ والله أعلم ـ إذ قد يحتمل أيضا أن كانت الرخصة من قبل فيمن عليه بالخيار بين أن يصوم وبين أن يفدى ، والصوم خير على ما ذكر فى الآية ، ثم نسخ ذلك ، إن كان على التأويل الأول بقوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..). الآية ، أنه ألزم القضاء على كل حال ، وان كان الثانى فقوله : (فَلْيَصُمْهُ) ، أنه ألزم الفعل على حال ، وبمثل ذلك خبر معاذ فى إحالة الصيام (١) : أنه كان للمرء خيار بين الفطر والفداء وبين الصيام ، ثم نسخ.
فى قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) على أثر ذكر السفر والمرض دلالة جعل الصيام فى السفر (٢) خيرا من الفطر والفداء فى غيره ، وإن احتمل الذى ذكرت. والله أعلم.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ذهب الأئمة الأربعة ، وجماهير الصحابة والتابعين إلى أن الصوم فى السفر جائز صحيح منعقد ، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه. وروى عن ابن عباس وابن عمر وأبى هريرة ـ رضى الله عنهم ـ أنه غير صحيح ، ويجب القضاء على المسافر إن صام فى سفر. وروى القول بكراهته. والجمهور من الصحابة والسلف ، والأئمة الأربعة ، الذين ذهبوا إلى صحة الصوم فى السفر ، اختلفوا بعد ذلك فى أيهما أفضل : الصوم أم الفطر ، أو هما متساويان؟
فمذهب الحنفية والمالكية والشافعية ، وهو وجه عند الحنابلة : أن الصوم أفضل ، إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه ، وصرح الحنفية والشافعية بأنه مندوب. قال الغزالى : والصوم أحب من الفطر فى السفر ؛ لتبرئة الذمة ، إلا إذا كان يتضرر به. وقيد القليوبى الضرر بضرر لا يوجب الفطر. واستدلوا لذلك بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلى قوله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)؛ فقد دلت الآيات على أن الصوم عزيمة والإفطار رخصة ، ولا شك فى أن العزيمة أفضل ، كما تقرر فى الأصول ، قال ابن رشد : ما كان رخصة ، فالأفضل ترك الرخصة. وبحديث أبى الدرداء المتقدم قال : «خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى شهر رمضان ، فى حر شديد ... ما فينا صائم إلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعبد الله بن رواحة». وقيد الحدادى ـ صاحب الجوهرة من الحنفية ـ أفضلية الصوم ـ أيضا ـ بما إذا لم تكن عامة رفقته مفطرين ، ولا مشتركين فى النفقة ، فإن كانوا كذلك ، فالأفضل فطره موافقة للجماعة.
ومذهب الحنابلة : أن الفطر فى السفر أفضل ، بل قال الخرقى : والمسافر يستحب له الفطر ، قال المرداوى : وهذا هو المذهب. وفى (الإقناع) : والمسافر سفر قصر يسن له الفطر ، ويكره صومه ولو لم يجد مشقة ، وعليه الأصحاب ، ونص عليه ، سواء وجد مشقة أو لا ، وهذا مذهب ابن عمر وابن عباس ـ رضى الله عنهم ـ وسعيد والشعبى والأوزاعى. واستدل هؤلاء بحديث جابر ـ رضى الله تعالى عنه ـ : «ليس من البر الصوم فى السفر» ، وزاد فى رواية : «عليكم برخصة الله التى رخص لكم ـ