ثم الدلالة على النسخ فى الوجه الذى ذكرت. ومتفق القول على أن المطلق لم يكن له الخروج من ذلك بالفداء. فبذلك (١) عرف النسخ مع ما ثبت من قطع الآية على القضاء فى أحد الوجهين ، وفعل الصيام فى الآخر.
وعلى ذلك معتبر القول (٢) فى الشيخ الفانى الذى لا يقوم للقضاء أن له الفطر والفداء ؛ لأن الصوم قد ثبت أنه يحتمل الوفاء بالفداء لكن نسخ بالصيام ، فإذا ارتفع الصيام بالعجز عمن يحتمل الخطاب بعبادات الأموال وهم المشايخ ، جاز أن يخاطبوا بالصيام ليخرجوا عنه بالفداء. وعلى ذلك ما جاء فى الأثر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالأمر بالصيام عن الميت (٣) ، أنه الصيام الذى هو صيام من لا يحتمل فعله وهو الفداء. والله أعلم.
وقد قرئ (٤) (يطوّقونه) بمعنى يكلّفونه ، ولا يطيقونه ، لكن فى الآية (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ولو كان «لا يطيقونه» : لا يرغبون فيه ، إلا أن يشترط فيه طاقة الجهد. والله أعلم.
وقوله عزوجل : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً).
من زيادة فداء ، وما يستزيد من الخيرات التى لم يفترض ليعوّد به الخير. أو (تَطَوَّعَ) فيما أذن له فى الفداء بالصوم. والله أعلم.
__________________
ـ فاقبلوها». قال المجد : وعندى لا يكره لمن قوى ، واختاره الآجرى.
قال النووى والكمال بن الهمام : إن الأحاديث التى تدل على أفضلية الفطر ، محمولة على من يتضرر بالصوم ، وفى بعضها التصريح بذلك ، ولا بد من هذا التأويل ؛ ليجمع بين الأحاديث ، وذلك أولى من إهمال بعضها ، أو ادعاء النسخ ، من غير دليل قاطع. والذين سووا بين الصوم وبين الفطر ، استدلوا بحديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن حمزة بن عمرو الأسلمى ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال للنبى صلىاللهعليهوسلم : أأصوم فى السفر؟ ـ وكان كثير الصيام ـ فقال : «إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر».
ينظر : الدر المختار (٢ / ١١٧) ، حاشية القليوبى (٢ / ٦٤) ، الوجيز (١ / ١٠٣) ، الهداية وفتح القدير (٢ / ٢٧٣).
(١) فى أ : فذلك.
(٢) فى ب : القوم.
(٣) أخرجه البخارى (٤ / ١٩٢) كتاب : الصيام ، باب : من مات وعليه صوم ، حديث (١٩٥٢) ، ومسلم (٢ / ٨٠٣) كتاب : الصيام ، باب : قضاء الصيام عن الميت ، حديث (١٥٣ / ١١٤٧) ، وأبو داود (٢ / ٧٩١ ـ ٧٩٢) كتاب : الصوم ، باب : فيمن مات وعليه صيام ، حديث (٢٤٠٠) ، والنسائى فى الكبرى (٢ / ١٧٥) رقم (٢٩١٩) ، وأحمد (٦ / ٩٦) ، وابن الجارود فى المنتقى رقم (٩٤٣) ، والطحاوى فى «مشكل الآثار» (٣ / ١٤٠ ـ ١٤١) ، وأبو يعلى (٧ / ٣٩١) رقم (٤٤١٧) ، وابن خزيمة (٢٠٥٢) وابن حبان (٣٥٧٤ ـ الإحسان) ، والدارقطنى (٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥) ، والبيهقى (٤ / ٢٥٥) كتاب : الصيام ، باب : من قال : يصوم عنه وليه ، والبغوى فى شرح السنة (٣ / ٥٠٩) ، وابن حزم فى المحلى (٧ / ٢) من حديث عائشة.
(٤) ينظر : الدر المصون (١ / ٤٦٢) ، والمحرر الوجيز (١ / ٢٥٢) ، والبحر المحيط (٢ / ٤١).